تكوين شخصية الفرد ...الذاكرة ، البيئة والتجربة الحياتية

د.زكي السلامي
10:32 - 2025-03-14


تعتبر شخصية الإنسان نتاجًا مباشرًا للبيئة التي ينشأ فيها وهي انعكاس لتجاربه الحياتية حيث يمكن تشبيه العقل البشري بمخزن هائل للذكريات تتراكم فيه المواقف والأحداث والمعلومات التي يمر بها الفرد هذه الذكريات لا تبقى خاملة بل يتم استرجاعها بوعي أو دون وعي في مواقف حياتية لاحقة مما يشكل سلوك الإنسان وردود أفعاله وحتى رؤيته للحياة

- الإنسان ابن بيئته ..التكوين الأولي للشخصية

منذ ولادته يكون الإنسان صفحة بيضاء تخط عليها تفاصيل البيئة المحيطة الأسرة المجتمع المدرسة وحتى المحتوى الإعلامي الذي يتعرض له كلها تساهم في تكوين شخصيته فالأفكار الأولى والمبادئ الأساسية وحتى ردود الأفعال العاطفية تكتسب من التجربة المبكرة وتخزن في الذاكرة لتصبح جزءًا لا يتجزأ من الشخصية

على سبيل المثال الطفل الذي ينشأ في بيئة مشجعة على الحوار والانفتاح سيكبر ليكون أكثر قدرة على التعبير عن نفسه في حين أن الطفل الذي ينشأ في بيئة صارمة قد يعاني من الانغلاق أو الخوف من التعبير عن رأيه هذه الفروق تعكس تأثير البيئة في تشكيل طبيعة الاستجابة للمواقف المختلفة

- الذاكرة كمستودع للتجربة والسلوك

يمكن اعتبار الذاكرة مخزونًا معرفيًا وعاطفيًا فكل تجربة يمر بها الإنسان تضاف إلى هذا المخزون ويتم استرجاعها لاحقًا لتحديد كيفية التعامل مع المواقف المشابهة عندما يواجه الإنسان موقفًا جديدًا فإن دماغه يستدعي تجارب سابقة مشابهة ليستند إليها في اتخاذ قراره أو تحديد ردة فعله

على سبيل المثال إذا تعرض شخص لموقف مخادع في الماضي فإنه يصبح أكثر حذرًا عند التعامل مع الآخرين في المستقبل حتى وإن لم يكن واعيًا لذلك بشكل كامل في المقابل من عاش تجارب إيجابية في بيئة داعمة سيواجه التحديات بثقة وتفاؤل

- التجربة والممارسة إعادة تشكيل الشخصية

مع مرور الزمن لا تبقى الذاكرة ثابتة بل تخضع للتطوير والصقل من خلال التجربة والممارسة قد يتغير رأي الإنسان حول قضية معينة بناءً على معلومات جديدة أو قد تتغير طريقته في التعامل مع الآخرين نتيجة تجارب حياتية أثرت فيه

كما أن هناك حالات يتم فيها تعديل الذاكرة وإعادة برمجتها وفقًا للرؤية الجديدة التي يكونها الإنسان عن نفسه والعالم الشخص الذي كان يخاف من التحدث أمام الجمهور مثلًا قد يكتسب مع التدريب والخبرة ثقة كافية لتغيير هذه البرمجة العقلية

- ندوب الذاكرة أثر الصدمات والتجارب السلبية

على الجانب الآخر قد تشوب الذاكرة بعض الندوب العاطفية الناتجة عن الصدمات الاجتماعية أو التجارب المؤلمة هذه الندوب يمكن أن تؤثر على شخصية الإنسان بطرق مختلفة فقد يصبح أكثر حذرًا أو أكثر قوة أو حتى أكثر انغلاقًا على نفسه

الذكريات المؤلمة مثل الفشل في تحقيق هدف معين أو التعرض لخيانة أو فقدان شخص عزيز تترك أثرًا عميقًا في النفس لكن في الوقت نفسه يمكن لهذه التجارب أن تشكل نقطة تحول إيجابية تدفع الإنسان إلى التغيير والتطور فالألم والمعاناة أحيانًا يكونان دافعًا للنمو إذا استطاع الفرد التعامل معهما بوعي وإيجابية

الإنسان ككيان متغير ومتجدد
فشخصية الإنسان ليست ثابتة بل هي كيان ديناميكي يتشكل ويتطور باستمرار وفقًا للتجارب والمواقف التي يمر بها البيئة تحدد البداية لكن الذاكرة والتجربة والممارسة تعيد صياغة الشخصية على مدار الحياة وبينما قد تترك بعض الذكريات ندوبًا فإنها أيضًا تمنح الإنسان الحكمة والقوة مما يجعله قادرًا على التعامل مع المستقبل برؤية أوسع ونضج أكبر
و لا ننسى دور العوامل البيولوجية مثل الوراثة أو تأثير الكيمياء العصبية في تشكيل الشخصية التي اؤمن بأن تأثيرها اقل من العوامل الاخرى .

Copyright © 2020 Kirkuk Tv All Rights Reserved Designed And Developed By AVESTA GROUP