نادي الفرص الضائعة

لهیب خلیل
15:03 - 2021-11-03

لماذا لا زال الفقر يلاحقنا..( الفقراء يعتقدون أن المال هو أصل الشر والأغنياء يرون ان الفقر هو اصل الشر)
تاريخ الإنسانية ليس مجرد حوادث وأحداث وصراعات ومؤامرات وامبراطوريات تتوسع أو تندثر فقط، وإنما هو «مخزن خبرات» وهي التي تتحول إلى كشافات تنير الدروب والمسالك إلى التحضر والتقدم والنمو وبالتالي الى الرفاهية والسعادة، أو الى خراب وحروب تجرجر أصحابها إلى التخلف والمهالك والجمود والامراض والموت!
من معالم تاريخ الإنسان أن العقل هو صانع الثروة والحضارة، وبالطبع العمل الجاد هو السبيل دائما وهذه بديهية ، وقد أدرك الإنسان ذلك منذ قصة الخلق، فحين نزل ادم إلى الأرض «الصعبة جدا» وقتها، عاريا إلا من ورقة التوت، لم يمنحه سبحانه وتعالى «ثروة» كى يبدأ بها حياته، لا عقارا ولا مالا، بل كانت الطبيعة فى قسوتها وكانت تبدو كما لو أنها ترفض وجوده بها، براكين وزلازل وأمطار ورياح وعواصف وحيوانات مفترسة: زاحفة وطائرة وماشية على أقدام، وكان على آدم وذريته أن يستثمروا عقولهم فى التأقلم مع البيئة وإخضاع ما تنعم به من إمكانات فى صناعة الثروة والسلطة ثم إدارتها!
بالطبع تلعب الموارد الطبيعية ووفرتها دورا مهما فى صناعة الحضارة والتقدم، وكانت الأمم فقيرة الموارد ذات الطموح العالى تقفز خارج حدودها غازية تسلب موارد الأمم الأخرى المنقسمة على نفسها فى صراعات داخلية، هكذا فعل أهل اليونان القدماء، حين غزو الأمم المجاورة وصنعوا إمبراطوريتهم القديمة، فى أوروبا وآسيا وإفريقيا، وهو نفس ما فعله الرومان بعدهم، ثم العرب فى القرون الوسطى حين خرجوا من الصحراء الجرداء وفتحوا أمم الرخاء والثروات وكونوا واحدة من أكبر الأمبراطوريات عبرالعصور المختلفة وأيضا اليابانيون عبر تاريخهم حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، ورغم انهم  تجربة مميزة جدا فى تاريخ الإنسان الحالي ، ففي السابق كانت هى جزر بركانية فى قلب منطقة زلازل وأعاصير عاتية ومواردها محدودة، فكان يخرج مقاتلوها الساموراى إلى دول الجوار غازيين وهو سر عداء الكوريين والصينيين التاريخى لهم على سبيل المثال.لكن بعد القنبلة الذرية على هيروشيما ونجازاكى اشتغل العقل اليابانى بطريقة مختلفة، وتبنى فلسفة استثمار العقول وبالفعل وصلت كل سلعة يابانية إلى كل بقعة فى المعمورة، وفى بعض الأحيان كانت اليابان تبيع سلعا لا تملك من موادها الخام مقدار خردلة، ولكنها تمتلك العقل والنظام العام الكفء لإدارة البشر، واستخلاص أفضل مواهبهم وقدراتهم فى العمل الجماعي، فكان العقل يفكر ويقلد ويبتكر ويبدع وينتج ثم يبيع!باختصار العقل السليم هو صانع الثروة وصانع التنمية، بشرط أن يعمل فى نظام عام كفء، وقد يحتاج الفقراء تمويلا مساعدا للهروب منه، لكن الثروة وحدها لن تكون بوابة الخروج من التخلف!
وفى العراق نظن كثيرا أن أزمتنا هى اقتصاد فى اقتصاد، وإذا عملنا مشروعات واستصلحنا ارضنا وشغلنا شبابا عاطلا واختصرنا الدعم وأوصلناه إلى مستحقيه دون السماسرة وحسّنا الخدمات، وتخلصنا من ميزان العجز فسوف نتقدم ونصنع مستقبلا أفضل..يقول بيل غيتس
نعم نحن فقراء لأننا لم نتعلم تعليما جيدا يؤهلنا لأعمال إنتاجية بدلا من أن يسرح الكثيرون على عربات لبيع منتجات ربحها قليل، ونحن فقراء لأن الكثيرين مصابون بالأمراض نتيجة تفشى الجهل والتلوث الذى أصاب ما نأكل، ونحن فقراء لأن غالبية الخرجين والشباب لا يجدون عملا بعد أن تخلت الحكومة عن مهمة إنشاء المشروعات التى تستوعب ما تخرج الدراسة والعطالين، وتركت ذلك للقطاع الخاص على اعتبار أنه الأكثر قدرة على ذلك، وها هى النتيجة واضحة بعدم قدرة القطاع الخاص على خلق الوظائف التى تؤدى إلى خفض البطالة.
نعم ..أخطر أنواع الفقر هو فقر العقل، «العقل الجمعي» ، الذى يعمل به النظام العام، ويتحكم فى أنشطة االعراقيين وإدارة حياتهم.والعقل الجمعى يجسد ثقافة المجتمع وقيمه. فقر العراقيين ليس مرجعه الأصلى محدودية مواردها الطبيعية، وإنما فقر نظامها العام لفترات طويلة فى إدارة هذه الموارد: بشرا وثروات، مما أضعف الأنظمة التابعة من صحة وتعليم ونقل وإسكان وبيئة وعدالة..الخ، فالنظام العام أشبه بجذر شجرة ضخمة ضاربة فى الأرض لها آفرع يعيش عليها المحيطون بها، فإذا كان الجذر واهنا أو مصابا، تنتقل أمراضه إلى الأفرع بالتبعية، وأى إصلاح فى التوابع هو إصلاح مؤقت، لأنه سرعان ما يمده الجذر بالدم الملوث فيتلفه من جديد!أذن اعوجاج أحوال العراقيين هو فرع من جذر ضعيف، وإصلاح الفرع واجب، وعدم إصلاح الجذر مصيبة.


Copyright © 2020 Kirkuk Tv All Rights Reserved Designed And Developed By AVESTA GROUP