تعيش محافظة كركوك، الغنية بالتنوع العرقي والثقافي، واقعًا سياسيًا معقدًا يتأثر بالصراعات الإقليمية والتوازنات الداخلية. ومن بين أبرز التحديات التي تواجهها المحافظة اليوم، المواقف السياسية للحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي يبدو أنه يتجه نحو تخندق مع بعض الأطراف العربية والتركمانية ضد الحقوق الكردية في كركوك.
شهدت كركوك تطورات ملحوظة بعد اجتماع مجلس المحافظة الذي انعقد في فندق الرشيد ببغداد، والذي أفضى إلى تنصيب ريبوار طه محافظًا للمحافظة. رغم شرعية الاجتماع وقرار المحكمة الإدارية الذي أكد قانونيته، أبدى الحزب الديمقراطي الكردستاني موقفًا معارضًا لهذه الخطوة.
هذا الموقف يطرح تساؤلات جدية حول أسباب رفض الديمقراطي تسنم شخصية كردية منصب محافظ كركوك، خاصة في ظل الدعم الشعبي والسياسي الواسع الذي يتمتع به ريبوار طه. فبدلًا من السعي لتوحيد الصف الكردي في كركوك، يبدو أن الحزب يضع العراقيل أمام تعزيز التمثيل الكردي في إدارة المحافظة.
من اللافت أن الحزب الديمقراطي، الذي يُفترض أن يكون داعمًا لقضايا الأكراد في كركوك، يتجه لتحالفات مع أطراف عربية وتركمانية تتبنى مواقف مناهضة لتطلعات الكرد في المحافظة. هذه التحالفات تعكس تناقضًا كبيرًا بين شعارات الحزب وممارساته العملية، مما يضعف الموقف الكردي المشترك ويُفقده الزخم اللازم لمواجهة التحديات التي تعترض حقوق الكرد في كركوك.
في خطوة أخرى أثارت غضب المواطنين الكرد في كركوك، رفض وزير البلديات، المنتمي للحزب الديمقراطي الكردستاني، المصادقة على تمليك الدور المتجاوزة في المحافظة. هذه المنازل، التي تأوي مئات العائلات الكردية، تعتبر جزءًا من حقوق المواطنين الذين دفعوا ثمنًا باهظًا بسبب السياسات التمييزية خلال العقود الماضية.
قرار الوزير يُنظر إليه كخطوة عدائية تهدف إلى حرمان المواطنين الكرد من الاستقرار في محافظتهم، مما يعكس نهجًا متناقضًا مع مبادئ الحزب المعلنة حول الدفاع عن حقوق الشعب الكردي.
رغم محاولاته التأثير في المشهد السياسي، يعاني الحزب الديمقراطي الكردستاني من ضعف واضح في قاعدته الجماهيرية داخل محافظة كركوك. نتائج الانتخابات المحلية والتشريعية تؤكد هذه الحقيقة؛ إذ تمكن الاتحاد الوطني الكردستاني من حصد خمسة مقاعد في انتخابات مجلس محافظة كركوك، بينما حصل الديمقراطي على مقعدين فقط.
علاوة على ذلك، يتمتع الاتحاد الوطني بشعبية أكبر بكثير في الشارع الكردي داخل المحافظة، حيث يعتبره المواطنون الكرد ممثلًا حقيقيًا لتطلعاتهم وأمنياتهم. في المقابل، فقد الحزب الديمقراطي الكردستاني جزءًا كبيرًا من مؤيديه بسبب مواقفه التي وصفها البعض بأنها معادية لطموحات الشعب الكردي في كركوك.
مواقف الحزب الديمقراطي الكردستاني في كركوك لم تساهم فقط في إضعاف وحدة الصف الكردي، بل أيضًا في تعزيز الانقسامات داخل المحافظة. بينما تسعى الأحزاب الكردية الأخرى إلى التمسك بحقوق الكرد وتعزيز وجودهم في كركوك، يبدو أن الديمقراطي يتبنى أجندة مختلفة تخدم مصالح ضيقة على حساب المصلحة العامة.
إن محافظة كركوك، بما تحمله من أهمية استراتيجية وتاريخية للكرد، تستحق مقاربة سياسية أكثر حكمة واتزانًا. على الحزب الديمقراطي الكردستاني أن يعيد النظر في مواقفه تجاه المحافظة وسكانها، وأن يعمل على توحيد الجهود مع باقي الأحزاب الكردية لتحقيق تطلعات المواطنين الكرد.
لا يمكن تحقيق الاستقرار في كركوك إلا من خلال رؤية سياسية مشتركة تأخذ بعين الاعتبار حقوق جميع مكونات المحافظة، مع الحفاظ على الهوية الكردية وحمايتها من محاولات التهميش أو الإقصاء.
ختامًا، تبقى محافظة كركوك اختبارًا حقيقيًا لجدية الأحزاب الكردية في الدفاع عن حقوق شعبها. وعلى الحزب الديمقراطي الكردستاني أن يثبت أنه جزء من الحل، وليس جزءًا من المشكلة.
Copyright © 2020 Kirkuk Tv All Rights Reserved Designed And Developed By AVESTA GROUP