الانتخابات في كركوك اختبار للخطاب
سوران الداودي
كلما اقترب موعد الانتخابات، سواء كانت برلمانية أو لمجلس المحافظة، تشتد حرارة الخطاب السياسي في كركوك، ويعلو صوت الشعارات القومية، وتتغير نبرات الساسة تجاه “الآخر”، وكأنّ المدينة تعود إلى المربع الأول في كل موسم انتخابي. في هذا السياق، لا يبدو الخطاب السياسي في كركوك عابرًا أو عفويًا، بل هو انعكاس عميق لتموضعات القوى القومية ومحاولاتها لاستثمار التوترات وتجييش الجمهور.
لكن ما يميز الكرد، وتحديدًا الاتحاد الوطني الكردستاني، هو اختلافه الواضح في أسلوب التعاطي السياسي داخل كركوك، إذ يتبنى خطابًا عامًا يتوجه للعرب والتركمان إلى جانب الكرد، في إشارة إلى إيمانه بضرورة ربط الحلول السياسية ببعضها، وعدم فصلها بحسب المكونات. هذا الخط العام، الذي ينطلق من رؤية شاملة للتعايش والشراكة، لا يلقى له نظيرًا في الخطاب العربي أو التركماني، حيث تميل معظم الأطراف الأخرى إلى خطاب موجه لمكونها فقط، ما يعكس عقلية الانغلاق القومي وضعف الرؤية الجامعة.
ولعل المفارقة أن هذا الخطاب الأحادي للقوى غير الكردية يخدم – من حيث لا تحتسب – الجانب الكردي كثيرًا. فكلما ارتفعت نبرة التوتر القومي، وساد الخطاب الحاد، ازدادت سهولة تعبئة الشارع الكردي، وتشجيعه على المشاركة بكثافة في الانتخابات، كردّ فعل على حالة الإقصاء أو التهديد المتخيلة أو الواقعية.
وفي ضوء ذلك، يُفهم أن استراتيجية الاتحاد الوطني الكردستاني في كركوك لا تقتصر على العمل الجماهيري داخل مكونه فقط، بل تمتد إلى المكونات الأخرى، في محاولة لصياغة خطاب توافقي جامع، يعيد تعريف السياسة على أنها أداة للتقريب لا للتنافر، وللشراكة لا للإقصاء. ومع ذلك، فإن استمرار بعض الأطراف في رفع شعارات تقسم المجتمع وتهدد السلم الأهلي، يضع مستقبل كركوك السياسي أمام مفترق طرق حقيقي، ويزيد من الحاجة إلى خطاب مسؤول وحكيم يراعي توازنات المدينة وتعقيداتها.
إن كركوك، بكل مكوناتها وتاريخها، لا تحتمل صراعات مؤقتة من أجل مكاسب انتخابية، بل تحتاج إلى مشروع مستدام يتجاوز اللحظة الانتخابية نحو بناء مدينة تتسع للجميع، بخطاب عقلاني لا قومي ضيق
Copyright © 2020 Kirkuk Tv All Rights Reserved Designed And Developed By AVESTA GROUP