جاء الاتفاق المبرم بين الجنرال مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وأحمد الشرع، الرئيس الحالي لسوريا، في توقيت بالغ الحساسية، حيث تتشابك المصالح الإقليمية والدولية بشكل غير مسبوق. فبينما تواجه الحكومة السورية ضغوطًا متعددة داخليًا وخارجيًا، يقف الجانب الكردي أمام خيارات محدودة مع تصاعد التهديدات التركية والغموض الذي يحيط بالموقف الأمريكي.
دمشق المنهكة.. وأولويات البقاء
تمر الحكومة السورية بمرحلة من الإنهاك السياسي والعسكري، حيث تجد نفسها عالقة بين عدة ملفات شائكة:
التوتر في الساحل السوري، حيث تتزايد الضغوط الداخلية مع التحديات الأمنية والاقتصادية في تلك المنطقة.
الغارات الإسرائيلية المتواصلة، التي تستهدف مواقع عسكرية وأمنية حساسة، مما يضع دمشق أمام تحديات أمنية متزايدة.
محاولات كسر العزلة الدولية، حيث تعمل الحكومة السورية على استعادة الاعتراف الدبلوماسي والانفتاح على دول المنطقة، مقابل تقديم تنازلات يطالب بها المجتمع الدولي.
كل هذه العوامل جعلت دمشق تبحث عن استقرار نسبي في الشمال الشرقي، مما قد يفسر استعدادها للجلوس على طاولة التفاهم مع قسد، التي لطالما اعتبرتها قوة “متمردة” مدعومة خارجيًا.
اما على الجانب الكردي، جاء القرار نتيجة ضبابية الموقف الدولي، ولا سيما من قبل الولايات المتحدة، التي لم تحسم رؤيتها تجاه مستقبل سوريا، خصوصًا في ظل
عدم وضوح الرؤية الأمريكية تجاه الإسلاميين، الذين أصبحوا جزءًا رئيسيًا من المشهد السوري، وما قد يعنيه ذلك لمستقبل الحكم في سوريا.
التصعيد التركي المتزايد، حيث ضاعفت أنقرة من عملياتها العسكرية واستهدافها لمواقع قسد، مما دفعها للبحث عن أوراق قوة جديدة.
من الواضح أن جميع الأطراف تدرك أن تغييرات كبيرة قادمة لا محالة، لكنها ما زالت غير واضحة المعالم، مما يدفعها لاتخاذ قرارات آنية تحمي مكاسبها أو تقلل من خسائرها. فالتحولات الجارية ليست مجرد مناوشات عسكرية أو تفاهمات مرحلية، بل هي تموضع جديد يتماشى مع مشهد دولي وإقليمي متغير.
اتفاق الضرورة.. لا شراكة استراتيجية
كقراءة أولية، يمكن القول إن الاتفاق بين عبدي والشرع يحقق مكاسب آنية لكل طرف
بالنسبة لكورد: يضمن لهم بقاءً سياسيًا ومكاسب إدارية في ظل تراجع الضمانات الغربية ويبعد الخطر التركي المتاهب
بالنسبة للحكومة السورية: يخفف من جبهة عسكرية مفتوحة، ويمكّنها من التركيز على ملفات أكثر إلحاحًا كما يساهم في اظهار صورة اكثر ايجابية علة المستوى الدولي والاقليمي
لكن الاتفاق ليس تحالفًا استراتيجيًا بقدر ما هو خطوة اضطرارية تمليها الظروف الراهنة، ومن المحتمل أن يخضع لإعادة تقييم وفق المستجدات القادمة. فالمتغيرات القادمة ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كان هذا الاتفاق سيُبنى عليه كمسار طويل الأمد، أم أنه مجرد هدنة مؤقتة تفرضها المصالح المتبادلة.
Copyright © 2020 Kirkuk Tv All Rights Reserved Designed And Developed By AVESTA GROUP