حلبجة تكتب “ممنوع دخول البعثيين”… لكنهم دخلوا وعاشوا برغد!

سوران الداوودي
00:37 - 2025-03-16

عند بوابة حلبجة، المدينة التي دفعت أغلى الأثمان بسبب جرائم البعث، كُتب بخط واضح: “ممنوع دخول البعثيين”. لكن الواقع في كردستان اليوم يروي قصة مختلفة تمامًا. فبدلًا من أن يكون البعثيون خلف القضبان أو على الأقل مبعدين عن هذه الأرض، نجدهم يعيشون فيها برغد، يملكون العقارات، يرتادون الفنادق الفاخرة، والملاهي الليلية، حيث تلمع أنوار الحفلات وتدوي الموسيقى حتى الصباح.
لم يكن الأمر وليد الصدفة، بل نتيجة لتراكم سياسات التساهل والمصالح السياسية. فبعد سقوط نظام صدام حسين، لجأ كثير من البعثيين إلى كردستان، مستفيدين من حالة الفوضى السياسية وضعف تطبيق قوانين اجتثاث البعث. بعضهم جاء بثروات منهوبة، وآخرون وجدوا طرقًا جديدة للاستفادة من مناخ الفساد الذي لم يكن مقتصرًا على بغداد وحدها.
اليوم، لا يحتاج المرء إلى كثير من البحث ليجد البعثيين السابقين يديرون مشاريع تجارية، يملكون شركات وعقارات، ويعيشون حياة مترفة، بينما لا تزال عائلات الضحايا تتجرع مرارة الفقر والحرمان. فكيف لأشخاص تورطوا في جرائم ضد الإنسانية أن يصبحوا أصحاب ثروات؟ الإجابة تكمن في غياب المحاسبة وتحول بعض الجهات إلى ملاذ آمن لمن كان يفترض أن يحاكموا.
المفارقة المؤلمة أن هؤلاء الذين تورطوا في القتل والتهجير، باتوا الآن يرقصون في النوادي، يشربون حتى الثمالة، ويسهرون في ليالٍ حمراء، بينما قبور ضحاياهم ما زالت شاهدة على الجرائم التي ارتكبوها. كيف يمكن أن يكون هذا مقبولًا في أرض دفعت أثمانًا باهظة لمقاومة البعث؟
الأمر لا يتعلق فقط بالبعثيين كأفراد، بل بما تمثله هذه الظاهرة من استخفاف بمعاناة الضحايا. فحين يرى الناجون من حلبجة أو الأنفال أولئك الذين تسببوا في مآسيهم يعيشون برخاء، يديرون استثماراتهم بحرية، ويتنقلون بلا أدنى قيود، فإن ذلك يوجه رسالة خطيرة: العدالة لم تتحقق، والذاكرة الجماعية لا تعني شيئًا أمام المصالح السياسية.
إذا لم يكن هناك موقف حقيقي لمواجهة هذا الواقع، فسنجد أنفسنا بعد سنوات أمام مشهد أكثر إيلامًا، حيث يصبح البعثي السابق رجل أعمال محترمًا، ويُنسى كل ما فعله في الماضي. فهل هذا هو المصير الذي ارتضيناه لمن دفعوا دماءهم من أجل الحرية؟
إن بقاء هؤلاء بيننا، دون محاسبة، ليس مجرد إهانة للضحايا، بل تهديد مباشر لمستقبل كردستان نفسها. لأن من لم يتعلم من التاريخ، سيعيد أخطاءه لا محالة.

Copyright © 2020 Kirkuk Tv All Rights Reserved Designed And Developed By AVESTA GROUP