في كثير من الأحيان، تُجبرنا الحياة على التكيف مع ظروف لا تشبهنا، ولا تعكس ما نحمله من أفكار ومبادئ. نتأقلم، نصمت، نتماهى أحيانًا، بحجة “الواقعية” أو “الضرورة” أو “العيش”، ولكن إلى أي حد يمكن لهذا التأقلم أن يمرّ دون أن يترك أثرًا في أرواحنا؟
التأقلم مهارة ضرورية، نعم، لكن ليس على حساب جوهر الإنسان. حين نضطر إلى مجاراة ما يتنافى مع قناعاتنا، ونتبنى سلوكيات لا تُمثلنا، أو نقبل ما نرفضه في دواخلنا، فإننا لا نتأقلم… بل نخون أنفسنا. هذه الخيانة لا تحدث فجأة، بل تبدأ على شكل تنازلات صغيرة، نقنع بها ضمائرنا بأنها مؤقتة، ضرورية، أو “من أجل المصلحة”. ومع مرور الوقت، يصبح هذا التأقلم قيدًا، ونفقد الإحساس بأن هناك ما يستحق الدفاع عنه.
أسوأ أنواع الخيانة ليست تلك التي نوجهها للآخرين، بل التي نوجهها لأنفسنا ونحن نخذلها بصمت. حين نصبح نسخة باهتة ممن كنا نؤمن أننا سنكونه، وننخرط في بيئات أو أعمال أو علاقات لا تشبهنا، نصبح غرباء داخل جلدنا.
الوفاء للنفس ليس أنانيّة، بل شجاعة. الشجاعة في أن نقول “لا” حين يكون الصمت خيانة، وفي أن نترك مكانًا لا يليق بنا، حتى لو كان آمنًا، لأن البقاء فيه يعني موتًا بطيئًا للروح.
التأقلم الحقيقي لا يكون على حساب المبدأ. يمكننا أن نتعامل مع الواقع بمرونة، لكن دون أن نسمح له بأن يمحو هويتنا. فالعالم لا يحتاج المزيد من المتشابهين، بل أولئك القادرين على الثبات وسط التغير، والمواجهة وسط القبول الأعمى.
حين تجد نفسك في موقف يتطلب منك أن تختار بين راحتك النفسية وبين مسايرة ما لا يشبهك، تذكّر أن تعيش منسجمًا مع ذاتك، خير من أن تعيش مقبولًا من الجميع.
Copyright © 2020 Kirkuk Tv All Rights Reserved Designed And Developed By AVESTA GROUP