لم يكن اللقاء الأخير الذي أجراه
الرئيس بافل جلال طالباني مجرد حديث عابر أو استعراض إعلامي تقليدي، بل كان بمثابة
خارطة طريق جديدة للعمل السياسي والحزبي، لا داخل الاتحاد الوطني الكردستاني فحسب،
بل على مستوى الحركة السياسية الكردية برمتها. لقد كسر الرئيس بافل القوالب
القديمة، وتجاوز التقاليد البالية التي لطالما كبّلت تطور الحياة الحزبية، ليدعو
إلى مرحلة جديدة أساسها الشفافية، المشاركة، وتجديد الفكر السياسي.
الرئيس بافل أظهر خلال اللقاء وعيًا
عميقًا بالمرحلة التي تمر بها كردستان والمنطقة، وكان صريحًا، واضحًا، ودقيقًا في
إجاباته. لم يتحدث بلهجة المتفرد أو الزعيم الذي يحتكر القرار، بل أكّد دومًا أنه
فرد في منظومة حزبية متكاملة، يحترم مؤسسات الحزب ويثمّن دور رفاقه في القيادة.
هذا التواضع السياسي لم يكن ضعفًا، بل مصدر قوة رسّخ ثقة المؤيدين بأنهم يسيرون
خلف قائد حقيقي، يدرك إلى أين يمضي، وكيف، ومع من.
اللافت في حديث الرئيس لم يكن فقط
محتواه السياسي، بل طريقته وأسلوبه. فقد بدا أقرب ما يكون إلى المواطن العادي،
يتحدث بلغة الناس، بإيماءات صادقة وابتعاد عن التصنع، ومع ذلك حمل كلامه عمقًا
وتحليلاً دقيقًا للأزمات المحلية والإقليمية والدولية، واضعًا إياها في إطارها
الحقيقي، ومقدمًا حلولًا عملية غير معقدة، بعيدة عن الشعارات الرنانة والوعود
المستهلكة.
من أبرز ما شدد عليه الرئيس بافل جلال
طالباني هو أهمية توحيد المواقف بين الأحزاب الكردية، لا سيما الاتحاد الوطني
الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني. وهو إذ يعترف بوجود اختلافات في الرؤية
الفكرية والسياسية بين الحزبين وهي حالة طبيعية ، إلا أنه دعا إلى العمل المشترك
في القضايا المصيرية، واضعًا مصلحة الشعب فوق الحسابات الحزبية الضيقة. هذه
الرسالة الواضحة حملت في طياتها نداءً للحكمة والتعقل، ومسؤولية سياسية كبيرة
تتجاوز الخلافات.
ولم يغفل الرئيس بافل عن الجيل الشباب ،
بل وضعه في صلب المشروع السياسي المقبل، مؤمنًا بدور الشباب وموقعهم في بناء الغد،
وداعيًا إلى تمكينهم ومنحهم المساحة التي يستحقونها في صناعة القرار والمستقبل.
في زمن تزدحم فيه الساحة السياسية
بالأصوات المتباينة والشعارات الفارغة، جاء لقاء الرئيس بافل جلال طالباني ليقدم
نموذجًا مختلفًا للقائد السياسي؛ قائد يملك رؤية، يتحدث بصراحة، لا يستعرض قوته بل
يوزّع الثقة، ولا يعد أنصاره إلا بما يمكن تحقيقه. لقد أرسل في لقائه الأخير رسالة
طمأنينة إلى الجميع: الاتحاد الوطني الكردستاني لديه بوصلة واضحة، وقائد يعرف
الطريق.
Copyright © 2020 Kirkuk Tv All Rights Reserved Designed And Developed By AVESTA GROUP