نهایە الرصاص بدایە الکلام

سوران الداوودي
11:18 - 2025-07-12

في 11 تموز  كانت المنطقة فی انتظار ظهور ملامح مرحلة جديدة، أعلن حزب العمال الكردستاني عن مبادرة غير مسبوقة عبر تاريخه الممتد لأكثر من نصف قرن: إلقاء السلاح. وفي مشهد رمزي مثير، أقدم عدد من مقاتلي الحزب على إحراق أسلحتهم، في إشارة الى بدء مسار جديد يهدف إلى تحول كامل في العمل السياسي السلمي في تركيا.
هذا الإعلان لا يعني استسلام حزب العمال الكوردستاني  كما  يحاول البعض تصويره وانما يمثل انتقالًا محسوبًا ومدروسًا من مرحلة المواجهة المسلحة إلى عملية السلام مع الحفاظ على الأهداف القومية للكورد والسعي لتحقيقها عبر مراحل واقعية ومتدرجة .
لقد تخلّى الحزب عن مبدأ “كل شيء أو لا شيء”، معتمدًا على رؤية أكثر نضجًا: العمل السلمي المنظم القادر على تحقيق المكاسب دون إراقة الدماء ما يضمن كسب دعم ومساندة القوى الدولية والرأي العام العالمي.
ولا يمكن فصل هذه الخطوات عن المجريات  الداخلية التركية  التي  تسعى اليوم إلى استكمال محاولات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ما يتطلب منها تبني سياسات منفتحة وعدالة تجاه الكورد وحقوقهم القومية. ومع إعلان حزب العمال الكردستاني إنهاء النضال المسلح كاستراتيجية متبعة ، باتت الكرة في ملعب أنقرة: هل تبادر هي الأخرى بخطوات جدية تعزز الديمقراطية وتكرّس حلًا سلميًا شاملًا؟
وفي هذا السياق، صدر عن رئيس الاتحاد الوطني الكوردستاني بافل جلال طالباني تصريح بارز اعتبر فيه هذه الخطوة خطوة تاريخية نحو بدء مرحلة جديدة من الحوار والسلام في شمال كردستان وتركيا.” وأكد طالباني أن الاتحاد الوطني الكوردستاني يؤمن بشكل تام أن “سفك الدماء سيعمق الخلافات، وأن الوقت قد حان لجعل الأسلحة صامتة واللجوء إلى طاولة الحوار لتحقيق المكاسب المشروعة لجميع الأطراف.” وأضاف: “بينما نواصل جهودنا لإنجاح عملية السلام، نفتخر بأن أسس السلام التي وضعها الرئيس مام جلال قد تُنفذ اليوم. ونأمل أن تكون هذه الخطوة بداية مرحلة جديدة لتطبيع العلاقات بين جميع الأطراف، وأن يكون لها تأثير مباشر على استقرار إقليم كردستان.
إن هذه الكلمات الصادرة عن بافل جلال  طالباني لا تأتي من فراغ سياسي، بل تعكس إرثًا طويلًا من محاولات الاتحاد الوطني الكوردستاني للعب دور الوسيط والداعم لعملية السلام بين الدولة التركية وحزب العمال الكردستاني.
فمنذ تسعينيات القرن الماضي، وتحديدًا في عهد الرئيس التركي الراحل توركوت أوزال، قاد الرئيس جلال طالباني شخصيًا مبادرات جريئة لفتح قنوات حوار بين أنقرة وقيادة حزب العمال الكردستاني. وقد اتُخذت في تلك المرحلة خطوات مهمة على طريق السلام، كان لمام جلال فيها دور محوري، مستندًا إلى علاقاته الإقليمية والدولية وشخصيته كرمز سياسي مقبول لدى الأطراف كافة. لكن وفاة الرئيس أوزال المفاجئة عام 1993 أفشلت تلك الجهود وأعادت ملف القضية الكوردية إلى المربع الأول، حيث عادت المواجهات المسلحة إلى الواجهة مجددًا.
مع ذلك، لم يتوقف الاتحاد الوطني الكوردستاني عن الذهاب بهذا الاتجاه , فقد استمر في محاولاته خلال المراحل اللاحقة، سواء عبر اتصالات مباشرة مع الحكومة التركية، أو من خلال طرح مبادرات سلمية علنية وأخرى في الخفاء ، وصولًا إلى المرحلة الراهنة التي يتولى فيها بافل طالباني قيادة الحزب ويواصل تثبيت هذه السياسة كخيار استراتيجي دائم.
ومع إعلان حزب العمال الكردستاني عن إنهاء الكفاح المسلح، تبدو تلك الجهود التي بدأها مام جلال وأكملها الاتحاد الوطني الكوردستاني أقرب إلى التحقق على أرض الواقع. إنها لحظة تحوّل حقيقية قد تفتح الباب أمام مرحلة جديدة في تاريخ الكورد  في تركيا مرحلة تُدار فيها الحقوق بالقانون والسياسة بدلًا من السلاح، بعد عقود من النزيف والخسائر المتبادلة.
واللافت في هذه المرحلة التاريخية أن مبادرة حزب العمال الكوردستاني بإشعال النار في عدد من أسلحته جاءت تحديدًا في  السليمانية. هذا المشهد الرمزي يحمل دلالة عميقة فالسليمانية،  تمثل  ثقلا سياسيا وثقافيا في إقليم كوردستان، كانت دومًا محطة انطلاق لمبادرات السلام والحوار، سواء على مستوى العراق أو المنطقة. وكأنما أراد الحزب أن يوجّه رسالة مفادها أن طريق السلام يبدأ من هنا، من هذه المدينة العريقة التي لطالما احتضنت اللقاءات والحوارات الهادفة إلى إطفاء نيران الحروب وتحويلها إلى مسارات سياسية وسلمية.
ان السليمانية  لا تقف اليوم شاهدة على حدث رمزي فحسب، بل تؤكد من جديد دورها التاريخي كجسر بين القوى المختلفة، وحاضنة للجهود الرامية إلى بناء مستقبل أكثر استقرارًا وعدالة لجميع الأطراف.

Copyright © 2020 Kirkuk Tv All Rights Reserved Designed And Developed By AVESTA GROUP