رهانات العنف واللاعنف

لهیب خلیل
13:13 - 2022-06-29

رهانات العنف واللاعنف ..
                                       
اللاعنف قوة لكن سنجني ثمارها بعد حين وهي قضية ذات شجون ، فقد شهدنا في فترة ما أطلق عليه الربيع العربي تنازع العنف واللّاعنف ففي حين اتخذت تونس ومصر طريق اللّاعنف سارت بلدان أخرى في طريق العنف والعنف المضاد مخلّفة فوضى وخرابًا ودمارًا، وهو ما عاشته أوروبا الشرقية أيضاً في مواجهة الأنظمة الشمولية، ولو دققنا سنلاحظ أن البلدان التي انتقلت من طور إلى طور باللّاعنف ظلّت متماسكة على الرغم من التحديات التي واجهتها، وستكون التغييرات أكثر سلاسة وأمنًا لمن يلتجأ إلى اللّاعنف حتى وإن كان قادرًا على استخدام العنف على الرغم من طول الطريق وتعقيداته ،شعوب كبيرة استخدمت اللاعنف ،لقد بدأ الأمريكيون في مقاومة الاستعمار البريطاني باللّاعنف قبل الاستقلال، وذلك بالامتناع عن دفع الضرائب ورفض الرّق، وقد تعمّق هذا التوجّه في عشرينيات وثلاثينيات القرن التاسع عشر عندما ارتفعت وتيرة المطالبة بإلغاء الاسترقاق، علمًا بأن الذين تبنّوا فكرة إلغاء الرق كانوا يؤمنون بالطريق اللّاعنفي لاعتبارات دينية تتعلّق بانحداراتهم المسيحية، ومن وجهات نظرهم أنه لا يجوز مطلقاً لأي إنسان أن يمارس سلطة على إنسان آخر، وطريق العنف هو طريق السلطة، لذلك انقاد هؤلاء إلى نبذ العنف لأنهم ضدّ السلطة بمعنى ان الدين له جوانب لاعنفية وهي التي ابقت للدين مكانته واهميته بين البشر ، قد يقول القائل حتى وإن اعتبرنا أصحاب اللّاعنف الأقرب إلى القلب والوجدان، فإن أصحاب العنف هم ذوو الغلبة في الواقع، وهذا هو السائد ، في حين أن اللّاعنف نائم تحت ازقة تاريخ العنف .ولهذا سنرى ان العنف وحده الذي نتذكره فهو ادى وسيؤدي في المستقبل الى تدمير بنى المادية والمجتمعية والإنسانية والحروب شاهد على ذلك ، وقوته تأكل نفسها بنفسها، خصوصاً إذا لم تجد ما تأكله، وذلك من خلال الفعل ورد الفعل، فإذا لم يجد العنف ما يواجهه سيواجه نفسه الحروب الاهلية مثالا اخر، وحتى لو استمر، إلّا أنه لن يدوم إلى ما لا نهاية وسيزول يوماً، لكن آثاره المادية والمعنوية تبقى في النفوس على المستوى الفردي وفي الذاكرة الجماعية، وقد تترك ندوباً قاسية وجروحاً قد لا تندمل على الرغم من مرور الزمن وتعاقب السنين، فمثلاً ما تزال تفجيرات هيروشيما ونكازاكي النووية ماثلة أمامنا على الرغم من مرور أكثر من سبعة عقود ونصف من الزمن، لما تركته من كوارث وآثار صحية وبيئية واجتماعية وغيرها ،يعود مرة اخرى اصحاب الميالين الى العنف ويكرورا
في غمرة الحرب الباردة وحمّى امتلاك الأسلحة النووية جرى تسخير العلوم والتكنولوجيا والإمكانات المادية لفرض الهيمنة، فامتلاك السلاح يعني التحكّم بمصير العلاقات الدولية ومستقبل البشرية، وكان من يمتلك السلاح النووي يسعى للتفرّد فيه كسلاح ردع مرعب حتى لو لم يستخدمه، ويمارس عنفاً معنوياً وإعلامياً ونفسياً ضدّ خصمه قبل عدوّه أحياناً. وهو ما يجعل العالم ينشغل بالسؤال المحوري كيف السبيل لكي يكون طريق اللّاعنف سائداً وبديلاً عن العنف، وإحلال السلام والعدل، مؤكد بنزع السلاح والتخلّص من أسلحة الدمار الشامل، ولكن مثل هذا السؤال بحاجة إلى تفكّر وحوار وعمل فالعنف يعمي البصر والبصيرة لانه يعمل عند الغضب وهي الغريزة الاساسية لاي عنف حتى اللفظي اذا كيف نهدء تلك المشاعر السلبية التي تجتاحنا احيانا كثيرة ،يجيب عليها أهل اللّاعنف: أن الطاقة التي يمتلكها اللّاعنفي هي نور يرتقي بالإنسان بأبعاده الأربعة: المادية والعقلية والعاطفية والروحية. والإنسان لم يُخلق إلّا لهذه الغايات، والعلم قد يزيدها تأثيراً إذا استخدم على نحو صحيح وسليم وإنساني،فالانسان القديم عندما اختراع السكين كان من اجل ان تساعده ليأكل والة للدفاع عن النفس وقت تهجم الحيوان عليه ،لكنه في لحظة غضب اعمت الدنيا امامه جعلته يستخدم تلك السكين ضد اخاه وهكذا يمكن للإنسان إلى أن يصبح أكثر بطشاً واستكباراً، إذا استمرّ بالاتجاه الخاطئ والشرير والمتوحّش، ففي حين أن الأول يعمل باتجاه السلام والتسامح والتفاهم والتعايش، أما الثاني فهو توجّه نحو الحرب والإقصاء والاستعلاء والهيمنة المشكلة الكبرى تكمن في ان أصحاب العنف يؤكدوا على  ان الإنسان قام على التنافس والتحاسد وحب الغلبة وبالتالي فالحياة للأقوى، والتنازل ضعفاً وهو ضعف في العقل والجسد والنفس والعاطفة، لكن الحساب الترجيحي لأهل اللّاعنف يقوم على اعتبارات مغايرة اخلاقية وإنسانية وحقوقية، فلا مجتمع حقيقي أو سياسة حقيقية أو عدل أو مساواة دون تلك الأبعاد واولها الأخلاق التي تزيد من تماسك المجتمعات وتعاضد أبنائها ،لكن الطبيعة الإنسانية تحمل الخير والشر  وهنا يبدأ دور التربية النفسية والاجتماعية ، فإن تتعززت هذه التربية من خلال البيت والمدرسة والمجتمع والإعلام والمؤسسة الدينية والقوانين، كان لها الدور الاكبر في نمو نزعات الخير والسلام والتسامح.

Copyright © 2020 Kirkuk Tv All Rights Reserved Designed And Developed By AVESTA GROUP