الإنسان شغوف بسماع الحكايات التي يرى
فيها نفسه يحقق ما يتمناه فلا شيء يضاهي قوة سرد القصص. وكتب المساعدة الذاتية
والتي ستسمى بعدها كتب التنمية البشرية تجعل كل شيء ممكن. فهي تعد العاطلين عن
العمل بالحصول على وظيفة مرموقة. وتطمئن الفقراء بأنهم سيصبحون أثرياء. وأن
المحتاجين سيحصلون على المال. بينما المرضى سيستعيدوا صحتهم. وسيحصل المنسيون على
رفقة واصدقاءوإلخ.... خطاب مفرط في التفاؤل والسذاجة ويحصر القضية في نجاح اي
انسان البشري داخل ذهنه وعقله وافكاره، لذلك، بمجرد تغيير تلك الأفكار والتصورات
سيتغير وجود الإنسان بشكل جذري. يعتمد نجاح كتب التنمية البشري على سذاجة الناس
وضعف الثقافة السياسية والاقتصادية عندهم لذلك فهي تقترح دائماً طرق مختصرة سهلة ولا تتطلب الكثير من التفكير. ويكفي فقط
الثقة بالنفس، وتنفيذ بعض الأساليب الذي يشرحها الكاتب بالتفصيل باعتبارها وصفة لا
مثيل لها لتحقيق المبتغى. بينما هذا الخطاب المخادع هو نوع من الانحراف لأنه يلعب
على مشاعر الناس المعذبين تحت رحمة الفقر والسياسات الرعناء لحكوماتهم . وليس ذلك
فحسب بل يعتبره الانسان مذنباً لما وصل إليه حاله، فهذه الكتب تعتبر العاطل عن
العمل مذنباً لأنه لم يولد عنده رؤى كافية عن عمله. ويلقي اللوم على الأطفال
الجياع لعدم تخيل أنفسهم أمام أطباق فاخرة من الطعام الشهي. ويتهم المرضى بأنهم
يرسلون طاقة سلبية إلى الكون.
تتهم كتب التنمية البشرية الفقراء
والمحرومين بالركود في “منطقة الراحة” كما لو أن المرض والبطالة والفقر والحرمان
شيء جميل ومريح يريد المرء أن يظل قابعاً فيه. وبمجرد أن يقنع مؤلف الكتاب القارئ
بأنه الشخص الوحيد المسؤول عن كل ما يحدث له وإنه كسول ولا يريد مواجهة تحديات
الحياة، يقترح عليه افكار وافعال خيالية التي لا تمت للواقع بصلة في كثير من
الاحيان.
ولكنها تخدم النظام الرأسمالي بشدة،
نظراً لأن هذا النظام لديه نموذج واحد فقط للنجاح يشعر كل من لا يتوافق معه
بالتعاسة والفشل. وهكذا تصبح السعادة ديكتاتورية ثقيلة تهمش كل من لا يبتسم
للحياة.
تصر كتب التنمية البشرية على أننا يجب
أن نعرف أنفسنا جيداً. لكنها لا تقترح أدوات لمعرفة شبكة العلاقات الاجتماعية التي
نعيش بداخلها. إنها تعمل على تمويه العلل الاجتماعية او حتى لا تتطرق اليها بتاتا.
حيث يصبح فقدان وظيفتك فرصة ممتازة لإعادة اكتشاف نفسك بشكل احترافي. والطلاق هو
فرصة لتعلم هواية جديدة. ومن خلال إضفاء الطابع الفردي على جميع المشاكل يتم
التغاضي عن الظروف الاجتماعية والسياسية للواقع الذي ذلك المنحوس فليس هناك مسؤول
عن مصيبة الفرد سوى نفسه. وبالتالي فإن الحلول التي تقترحها كتب المساعدة الذاتية
هي دائماً مسألة فردية وليست جماعية. ومن هنا نجد أن مثل هذه الكتب تخدم بشكل
مثالي أغراض الرأسمالية الفردية المهتمة بشكل طبيعي بتفكيك أي عمل جماعي.
يعيش البشر في عصرنا الحالي في رفاهية
مفترضة بفضل التقدم العلمي والتكنولوجيا التي سهلت الحياة للجميع. ولكن على الرغم
من ذلك هناك من يعاني ولا يشعر بالسعادة ولا يعلم كيفية عيش الحياة بطريقة سليمة.
لذا فإن الطريقة الأسهل والأسرع والأرخص لحل هذه المشكلة هي الذهاب إلى كتاب يقدم
لهم نصائح تعلمهم طريقة العيش، والتصرف بشكل أفضل، وترفع تقديرهم لذواتهم، والعثور
على مفتاح النجاح أو على الأقل إيجاد الصيغة التي تساعدهم على حل نزاعاتهم
الوجودية. مما أدى إلى تحقيق كتب التنمية البشرية أرباحاً سنوية تصل إلى عشرة
مليارات دولار. ظهرت فكرة المساعدة الذاتية في عام 1859 مع كتاب صموئيل سمايلز
الذي يحمل اسم “الاعتماد على الذات” وهو الكتاب الذي ظهر فيه التفكير الإيجابي
باعتباره الموضوع الأساسي لهذا النوع من الكتب. وبعد أن حظي صموئيل بالشهرة
الكبيرة توالت كتب التنمية البشرية بشكل كبير حتى أصبحت من الكتب الأكثر مبيعاً في
العالم. وكما أشرنا إلى أن الموضوع الرئيسي لهذا الكتب يتمحور حول التفكير
الإيجابي، فإن جميع كتب المساعدة الذاتية لا تقدم أي جديد بشأن هذا الموضوع
باستثناء التقنيات الجديدة الخاصة بالتسويق الذي يعد العمود الأساسي للنظام الرأسمالي
الحالي في العالم أجمع. وقد زادت شهرة هذه الكتب وحصل مؤلفوها على ثروات ضخمة بفضل
قرائها من السذج. بينما لا تزال كتب التنمية البشرية تتمتع بقبول شعبي حيوي على
الرغم من قلة فوائدها.المشكلة الكبرى ان كتب التنمية البشرية لا تتوافق مع الفلسفة
والتي تعتبر ام العلوم ،فالفلسفة تحاول
توجيه الإنسان إلى مواجهة أعمق أسئلة وجوده وتنظم أفكاره بعمق وتدعوه الى التفكر
بهدوء ،عكس التنمية البشرية التي تقترح أن يتجنب مثل هذه الأسئلة واللجوء إلى
الحلول السحرية التي يقدمها كتاب التنمية البشرية، أن الفلسفة تحاول تقليص معاناة
الإنسان من خلال مقترحات تعزز وأفكار تراكمت عبر عشرات السنين.
Copyright © 2020 Kirkuk Tv All Rights Reserved Designed And Developed By AVESTA GROUP