قد يكون بالإمكان النظر الى الانتخابات العراقية المبكرة كبداية مرحلة جديدة، ولاسيما ما يخص كردستان، فقد كانت لها تداعيات من أحداث وتطورات جديدة تستحق الوقوف عندها.
نعتقد أن على القوى الاساسية التعامل مع الوضع المستجد بحذر وتأن والبدء فورا باجراء تغييرات واصلاحات على الصعيد الحزبي، ومن ثم على مستوى الاقليم وتغيير نظام الحكم والاستعداد لمواجهة هذه المرحلة الحساسة والسير باتجاه التصالح مع الشعب والجمهور على وجه الخصوص، لان تدني نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات المبكرة لبرلمان العراق دليل على امتعاض وقلق الشعب وفقدان ثقته بنظام الحكم.
في الحقيقة ان تداعيات الانتخبات واتجاه سير المفاوضات وزيادة التدخلات الخارجية وغياب حكمة مام جلال والتحالفات التي هي إفرازات اضافية، تبعث على القلق وليس ببعيد ان تكون اشارات خطيرة، ولهذا فان افرازات مرحلة ماقبل ومابعد الانتخابات تستدعي اتخاذ موقف وصحوة ومراجعة ذاتية وجماعية جادة، بحيث يكون في مستوى التطورات المستجدة في هذه المرحلة التاريخية المختلفة والصعبة.
وفي أحدث تطور، فان قرار المحكمة الاتحادية العليا فيما يخص قانون النفط والغاز لاقليم كردستان الذي نص على “عدم توافقه مع الدستور العراقي”، ليس في مصلحة الاقليم وهو تحد آخر وحرَّكَ السفن بما لاتشتهي سفن الاقليم، لكن من الضروري ان تتعامل سلطة الاقليم معه بهدوء وحذر شديد، وليس بإبداء ردود أفعال آنية. وهو يتطلب السعي الحثيث لتشريع قانون النفط والغاز في العراق وفق الدستور وبشكل يحدد بوضوح ما للاقليم وما عليه ويضمن حقوق شعب كردستان وان تصان فيه مكانة الاقليم ككيان دستوري. لاننا نرى ان حل المشاكل لايتم عبر تقليل صلاحيات الاقليم او تدخلات الحكومة الاتحادية في شؤون كردستان، بل الامر بحاجة الى حوار شامل وواسع، لان التجاوز على مكانة وموقع اقليم كردستان الدستوري اكبر انتهاك للدستور.
لايخفى أن الفساد وغياب العدالة وانفلات الامن والاضطراب منتشر بشكل كبير في المناطق الخاضعة لسلطة الحكومة الاتحادية، وان الوضع المعيشي والخدمات والاعمار في مدن الوسط والجنوب عند مستوى متدن، وبالاضافة الى الثروة البشرية والادارية ولااقتصادية في العراق، الا انهم في وضع لايحسد عليه، وعلى هذا الاعتبار فان الاستنجاد ببغداد من سلطة الاقليم خطأ قاتل لانه كما يقول المثل الكردي (لو كان الأصلع حكيما لعالج نفسه) ولكن مع ذلك قد لا ينظر الرأي العام الى الوضع من هذا المنظور بسبب امتعاضهم من القوى المتنفذة وحالة الغبن والتمييز الحزبي الذي يشعرون به، ولاسيما الشباب والموظفين والمتقاعدين وذوي الدخل المحدود وهذا يشير الى خطر حقيقي داهم وتغيير دراماتيكي كامل في الرؤية العامة لمصطلح النضال القومي الكردي الذي تم التضحية بنهر من الدماء في سبيله قامت بسببه انتفاضات وثورات خلال قرون.
لابد في ظل هذا الوضع الجديد في كردستان من اجراء تغييرات جوهرية وشاملة ولاسيما في المجال الاقتصادي والاداري والامني تعيد الثقة المفقودة. وفي هذا الصدد يجب التحضير لاجراء الانتخابات المقبلة وتهيئة الارضية لعملية انتخابية شفافة ونزيهة، لذا فإن تشريع قانون جديد للانتخابات من قبل برلمان كردستان يحظى برضا الجميع من اولى الأولويات لضمان حماية الاقليم وحماية المكتسبات والسم الاهلي.
وبهذا الصدد أيضا، لربما إن إحدى الخطوات الضرورية اجراء تغييرات جذرية ونوعية في تشكيلة حكومة الاقليم المقبلة، خاصة ادارة ملف الطاقة والثروات الطبيعية والذي من الضروري ان تكون مؤسساتيا ووطنيا وان توضع في اطار تتوافق وتتلاءم مع مصالح الاقليم وتنسجم مع الدستور العراقي.
ختاما بإمكاني القول ان كردستان تواجه مصيرا مجهولا، وباتت واقعة بين المكتسبات والمخاطر الحقيقية، لذلك فإن تعزيز التجربة الديمقراطية في الاقليم من الداخل، بما يرضي الشعب ويستعيد ثقته، أمرا ملحا ومهما، وباستثناء هذا الطريق الحيوي، ليس امامنا اي بديل، لانه من دون دعم الشعب وتنمية الخبرات عبر اصلاحات حقيقية وحوار عقلاني ومن ثم اتفاق متوازن وثابت مع بغداد، ليس بوسعنا تجاوز الأزمات، وبالتالي سيضعف موقفنا ومكانتنا في كردستان والعراق والمنطقة والعالم.
Copyright © 2020 Kirkuk Tv All Rights Reserved Designed And Developed By AVESTA GROUP