لست متشائماً كما يقول الكاتب السياسي الإسلامي الحضاري السيد محمد عبد الجبار الشبوط، لكن استقراء واقع ساحتنا السياسية يؤشر مجموعة حقائق، في مقدمتها أن القوى المدنية يعوزها الاصطفاف المتماسك من أجل كسر سيطرة الأطراف الأخرى على الساحة الانتخابية.
والأنكى من هذا هو أن القوى الشبابية التي هي القوى المحركة لحركة الاحتجاج التشريني لا يعوزها مجرد وحدة الصف والاصطفاف إلى جانب القوى المدنية الأكثر خبرة في الحياة السياسية، بل أنها تفتقر إلى فهم واضح يتخطى المطالب المعيشية المباشرة، برغم أن شعار نريد وطن، يظل ذا سمة متميزة، لكن القوى الشبابية لم تستطع رسم صورة الوطن المطلوب، وهم مع مطالبتهم بالديمقراطية، فهم ينتهكونها عندما يعلنون نبذ الحياة الحزبية، التي هي معلم من معالم التعددية وحرية المعتقد وتنوع المناهج لمعالجة شؤون البلاد.
ولا يقف الأمر عند رفض الحزبية والحزبيين، بل هم يطالبون الحزبيين بالتخلي عن أحزابهم، أنهم لا يطالبون ببرامج عمل واضحة تلتزم حل مشاكل البلاد، بل يشترطون على الناشطين في الساحة السياسية التخلي عن انتمائهم الحزبي، وهو مطلب يشكل خرقاً لحقوق الإنسان في الرأي والمعتقد. ومع عدم جواز المقاربة بينهم وبين سلطات أنظمة سابقة في العراق، وكأنهم يريدون "براءة" بوسائل "غير قسرية" من كل صاحب معتقد، وليس مطالبته في نقد تجربة حزبه والعمل على تصحيح مسيرته من خلال الالتزام ببرنامج عمل يبني الوطن، وضمن المسيرة يصلح مساراً حزبياً منحرفاً.
المهم تؤشر الإحصاءات أن المتنافسين في الجولات الانتخابية كانوا:
1. في 15/12/2005 الدورة الأولى كانوا 6655 مرشحاً.
2. في 7/3/ 2010 الدورة الثانية كانوا6218 مرشحاَ.
3. في 30/4/2014 الدورة الثالثة كانوا 9040 مرشحاً.
4. في12/ 5/2018 الدورة الرابعة كانوا 7178 مرشحاً.
- حالياً تؤشر المعلومات أن تعداد المرشحين في الدورة المرتقبة يوم 10/10/2021سيكون 3523 مرشحاً.
والمعنى المستخلص من هذا الانخفاض في عدد المرشحين هو أن القوى السياسية تحاول تركيز طاقاتها وتمتنع عن تشتيتها بزيادة عدد المرشحين على الرغم من أن تعداد الأحزاب المشاركة زاد مرات مضاعفة بالقياس ما كان عليه في الدورة الانتخابية السابقة، بفعل تشكيل أحزاب تشرينية من شباب الانتفاضة من جهة ، وانقسام بعض القوائم والقوى السياسية من ناحية أخرى. فمن ناحية هناك 235 حزباً مسجلاً لدى مفوضية الانتخابات، ولحد الآن ما تزال الملامح لـ 27 تحالفاً، قد تنشطر بعضها بعد الانتخابات، مع احتمال قيام تنسيق بين بعضها الآخر من اجل حسم المرشح لرئاسة مجلس الوزراء وتوزيع الحقائب الوزارية.
وبات من المستبعد أن يحتفظ أي طرف بعدد المقاعد التي حصل عليها في الانتخابات السابقة من القوى الشيعية، عدا التيار الصدري لخبرته في تنظيم الترشيح والتصويت واستمرار مرجعية آل الصدر في شخص السيد مقتدى. أما د. حيدر العبادي فربما يستطيع الاحتفاظ بتعداد مقاعده بعد أن أتضح أنه كان من أكثر المسؤولين قرباً من طموحات الإصلاح، لكن هذا يعتمد على ما يتبلور من برامج في اللحظة الأخيرة.
أما بالنسبة للمحافظات العربية الأربعة (السنية) بجانب بعض أصوات الناخبين في البصرة، فأن أصواتها محصورة ضمن مرشحي أبنائها فقط، عدا مشاركة القائمة العراقية الوطنية بعض أصواتها. لذلك تظل الكتلة التي يتزعمها السيد إياد علاوي مقاربة لما كانت عليه سابقاً.
بالنسبة للكرد، فأن المفاجئة ستكون باسترجاع الاتحاد الوطني لبعض أصواته في السليمانية وأربيل، بجانب حصوله على مقعد أضافي في كركوك، نتيجة موقف شبابه في القيادة الجديدة من تداعيات استفتاء الإقليم. فيما تظل تغيير قوية وتنتزع بعض المواقع في أربيل.
المهم كل مجريات الأحداث تبين أن مجمل الوعي الجمعي للناخبين مازال متأرجحاً بين الشعارات الطائفية المعدلة وطروحاتها غير المباشرة لإضعاف القوى المدنية "الحزبية".
وفي هذا السياق انعقد ما سمي المؤتمر التأسيسي الثاني لحزب التيار الاجتماعي المدني في 29 نيسان الماضي، ولم يبدو الصيدلاني احمد علي إبراهيم نائب رئيس الحزب متفائلاً في حدوث منعطف مهم يلبي الطموحات، ذلك أن قانون الانتخابات في الدوائر الصغيرة سيمكن القوى العشائرية والمال من التأثير على فرص المدنيين، إلى جانب أن قانون المفوضية بشان الأحزاب لم يراع ضوابط عدم جواز قيام أحزاب لها أجنحة مسلحة، في ظل غياب رقابة حقيقية على المال السياسي الذي ينفق في الانتخابات.
علماً أن هذا الحزب المدني الذي يرأسه د. علي الرفيعي أقام تحالفاً مع الحزب الشيوعي العراقي...وهو تحالف يعوزه المال السياسي والدعم الطائفي. ومرشحا حزب التيار المدني للانتخابات في بغداد هما السيدان حمزة الجواهري الخبير الاقتصادي، ود.عامر حسن الفياض أستاذ العلوم السياسية والعميد السابق لكلية العلوم السياسية في جامعة النهرين.
سكرتير الحزب الشيوعي العراقي السيد رائد فهمي تناول موضوع الانتخابات من زاوية أخرى، فهو يرى أنها تشكل تراكماً في الذاكرة الجماهيرية للارتقاء بالعملية السياسية، وأن أطرافاً لها ثقلها دعت الحزب الشيوعي إلى تحالف انتخابي معها، لكن الشيوعيين الذين تحالفوا مع التيار الصدري في الانتخابات السابقة وانسحبوا منها لاحقاً، بعد أن كان زعيم كتلة سائرون في البرلمان د. حسن العاقولي قد استقال هو الأخر من زعامة الكتلة والبرلمان، معبراً عن خيبة أمله من عدم القدرة على تقديم ما يخدم العراقيين، فان فهمي يرى أن القضية بالنسبة للشيوعيين ليست الحصول على مقاعد نيابية أو حقائب وزارية، فالنائبان الشيوعيان (هو احدهما) استقالا احتجاجاً على عدم تلبية مطالب جماهيرية ملحة، لكن القضية هي توظيف الانتخابات وكل النشاط السياسي والجماهيري لتعميق الوعي بضرورة تخطي الطائفية ومحاصصتها، وضرورة ضمان أن لا يكون هناك سلاح خارج سيطرة الدولة، واتخاذ إجراءات فعالة لاسترجاع الأموال المنهوبة من الشعب، بجانب سد منافذ الفساد، ومساءلة المسؤولين عن الفساد من الرؤوس وليس الأذناب، في خطة عمل للتنمية المستدامة تضمن تعدد موارد الدولة وليس مجرد اعتمادها على العوائد النفطية الناضبة ولو بعد حين، في ظل توجه عالمي نحو مصادر مستدامة للطاقة غير ملوثة للبيئة.
ومع أن الانفراج المرتقب في الملف النووي الإيراني، ونزع فتيل التوتر المتصاعد في مثلث علاقات عرب الخليج، بالأخص السعودية –إيران، على وفق الانفراج الأميركي في التعامل مع إيران، فمن المستبعد أن تظهر نتائج هذا الانفراج في انتخابات العراق 21، لكن الشيء المؤكد هو أن متغيرات لاحقة قادمة، قد تتخطى الوعي الجمعي لرافعي شعار رفض الأحزاب والمطالبة بالتوظيف الحكومي، لكن قد تكون هناك ملامح إصلاح اقتصادي اجتماعي بما يحول دون انفجار اشد من انفجار تشرين.
مع هذا، ففي حالة عدم العمل على تطمين المواطنين إلى درجة معينة، بشأن السلاح المنفلت وتظاهراته المسلحة، وإعلان بعض أطراف العملية السياسية وصايتها المبكرة على نتائج الانتخابات، واستمرار رموز الفساد الرئيسة في الاستحواذ على مفاصل مهمة في الدولة، وضخ مال الشعب العراقي المنهوب لضمان إعادة إنتاج توابع مطيعة لهم، فأن ما يطرحه السيد إياد علاوي قد يعمق المقاطعة الشعبية التي شاهدناها في الانتخابات الأخيرة، وضخ المزيد من الضغط على المواطنين لدفعهم نحو انفجار قد يتخطى كل التوقعات وكل ما شهدناه في عامي 2011 وتشرين 2011.
Copyright © 2020 Kirkuk Tv All Rights Reserved Designed And Developed By AVESTA GROUP