"قوة" الحكومة..سلاح ذو حدين

محمد شيخ عثمان
12:01 - 2025-01-30

يتسم خطاب الحزبين الرئيسيين في اقليم كردستان بالتركيز على هوية الحكومة القادمة، فالاتحاد الوطني يؤكد على ترسيخ نمط "حكومة خدمية فاعلة وفق الحكم الرشيد" بينما البارتي يتحدث عن حكومة "قوية"  مع اضافة ملحقات لاتخرج عن سياق الوصف الاول دون الحديث عن هوية "القوة".
بناء حكومة قوية هدف اساسي لتحقيق الاستقرار السياسي والتقدم الاجتماعي والاقتصادي  ولكن مفهوم “القوية” يثير تساؤلات عميقة وهو سلاح ذوحدين: هل تُبنى هذه القوة على أسس الحكم الرشيد الذي يضمن العدالة والشفافية والشراكة الحقيقية للاطراف المشاركة فيها في الحكم والقرار؟ أم أنها ترتكز على قبضة استبدادية تفرض النظام بالقوة وتهمش حقوق الأفراد والمجتمع وتضع شرخا عميقا في وحدة الاقليم وركائز ديمومته؟
في الحالة الاولى فان الحكم الرشيد هو روح الحكومة القوية، حيث يُوازن بين قوة القرار وعدالة التطبيق،وان حكومة قوية قائمة على الحكم الرشيد (كمايطالب به الاتحاد الوطني)هي الضامن لاستقرار الاقليم وتحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية، بالتالي فان الحكم الرشيد هو العمود الفقري لأي حكومة تسعى إلى الاستدامة والشرعية فهو يقوم على مبادئ مثل الشفافية، في القرارات والسياسات، وايضا المساءلة، حيث يخضع المسؤولون للرقابة والمحاسبة من الشعب ومؤسساته، كذلك تعتبر سيادة القانون واستقلالية القضاء من أبرز سماته.علاوة على ذلك، فإن الحكم الرشيد يعزز كفاءة الحكومة من خلال إدارة الموارد بشكل مستدام، وتقديم الخدمات العامة بجودة عالية دون التمييز بين المدن والمناطق.
في المقابل، هناك نموذج مختلف من الحكومات التي تُعرِّف "القوة "بشكل مغاير ،اذ ان الحكومة القوية المبنية على نزعة التسلط والتفرد قد تحقق استقرارا مؤقتا، لكنها تزرع بذور عدم الاستقرار على المدى الطويل، من خلال قمع الحريات وإضعاف المؤسسات ونهب الثروات فمثل هذه الحكومات تعتمد على مركزية السلطة من حيث تهميش دور البرلمان والمؤسسات المستقلة والمجتمع المدني لصالح سلطة فرد أو مجموعة صغيرة و يتم فرض النظام بالقوة، وليس عبر الالتزام بالقانون، ويتم إسكات الأصوات المعارضة بحجة تحقيق الاستقرار أو مواجهة الأزمات.
على المدى القصير، قد تبدو الحكومة القوية بالاستبداد، قوية بسبب قدرتها على فرض قراراتها بسرعة دون مقاومة كبيرة ولكن هذه القوة غالبا ما تكون وهمية، لأنها تفتقر إلى الشرعية الشعبية، وتعتمد على أدوات القمع بدلاً من الحوار  وتخلق شرخا واسعا بين الشعب والسلطة الحاكمة.
الحديث عن حكومة قوية بحاجة الى تحديد هوية "القوة" التي تستمد منها الشرعية بين" الحكم الرشيد "و"التفرد التسلطي" وهو اختيار بين بناء شرعية مستدامة قائمة على رضا المواطنين، أو فرض السيطرة بالقوة مع المخاطرة بتفكك وضعف الاقليم على المدى الطويل.
الحكومة "القوية" بحق هي تلك التي توازن بين قوة القانون وعدالة التطبيق، بين مركزية القرار ولامركزية المشاركة، وبين حزم السلطة واحترام حقوق الإنسان وبالطبع فان "الحكم الرشيد" هو المسار الذي يمكن أن يجمع بين هذه الأبعاد المتناقضة ظاهريا، ليُنتج نموذجا قويا ومستداما.
السؤال المحوري هنا هو: أي نموذج للحكومة "القوية" يمكن أن يحقق الاستقرار والتنمية المستدامة والاقليم القوي؟ الإجابة تكمن في فهم الفرق الجوهري بين “القوة” كأداة للسيطرة والتسلط و”القوة” كوسيلة لبناء الدولة والحوكمة الرشيدة.
*رئيس تحرير مجلة 'المرصد'

Copyright © 2020 Kirkuk Tv All Rights Reserved Designed And Developed By AVESTA GROUP