سقوط زمن الجنرالات

سوران الداوودي
19:08 - 2025-05-14

في زمنٍ لم يعد للحدود الجغرافية معنى، ولم تعد البنادق وحدها تحسم المعارك، دخلنا عصراً جديداً، تتصدره الطائرات المسيّرة والصواريخ الذكية، وتغيب فيه مشاهد الالتحام المباشر بين الجيوش، وتُستبدل فيه أجساد الجنود ببرمجيات الذكاء الاصطناعي، وصوت المعركة بصمت غرف التحكم.

لقد ولّى زمن البطولات التقليدية، التي كانت فيها الأسطورة تُصنع في ساحات القتال، ويُكتب النصر بالدم والتضحيات. لم تعد الفروسية ولا الشجاعة الشخصية تصنع الفرق، بل تحولت الحرب إلى معادلات رقمية، تُدار من بعيد، وتُحدد فيها النتائج قبل أن تنطلق الطائرات من مدارجها.

إننا نعيش اليوم عصر صراع العقول، حيث الكلمة الأولى لمن يملك التقنية، والمعلومة، والقدرة على قراءة المشهد وتوجيهه. لم تعد الحرب مجرد صدام إرادات، بل أصبحت هندسة معقدة للواقع، من يتحكم بها يُحرك الأحداث ويُرسم مساراتها وفق مصالحه.

المال لم يعد أداةً للتسلح فقط، بل صار وسيلةً للهيمنة وتوجيه السياسات وتفكيك الجبهات دون إطلاق رصاصة واحدة. أما الإرادة السياسية التي كانت تستند إلى الحشود والتضحيات، فقد أصبحت مكلفة وغير واقعية في عالم يحسب الخسائر بالدولار لا بالأرواح.

ولذلك، فإن الحاكم الذي يُضحّي بشعبه لأجل طموحات شخصية، ويُقحم بلاده في صراعات عقيمة، يبدو اليوم خارج السياق التاريخي. فالمجتمعات لم تعد تقبل أن تكون وقوداً لأوهام السلطة، بل تطمح لأن تكون جزءاً من مشروع حضاري يُقدّر الإنسان ويستثمر في العلم والمعرفة.

الزمن تغيّر. ولم يعد الانتصار يُقاس بحجم التضحيات، بل بمدى القدرة على تجنبها. أما من لا يزال يعيش في منطق الماضي، فمصيره أن يُهزم حتى قبل أن يخوض معركته

Copyright © 2020 Kirkuk Tv All Rights Reserved Designed And Developed By AVESTA GROUP