الخلفاء الذين حرروا الكورد

عبدالله حصاري
22:35 - 2025-05-14

منذ قرون طويلة، والكورد يعيشون في هامش التاريخ الإسلامي، لا بصفتهم جزءًا من الأمة، بل غالبًا كضحايا لمشاريع تلك الأمة. رغم إيمان معظم الكورد بالدين الإسلامي، ورغم أن تاريخهم يزخر بعلماء وقادة خدموا الدولة الإسلامية، لم يُسجل لنا التاريخ خليفةً واحدًا وقف صراحةً مع الكورد، أو منحهم كيانًا سياسيًا، أو حتى اعترف بخصوصيتهم القومية.

وعلى العكس من ذلك، فإن أكثر المجازر التي تعرض لها الشعب الكوردي كانت بأدوات دينية. في القرن العشرين وحده، وُجهت فتاوى من مشايخ وجماعات في سوريا وتركيا والعراق وإيران، كلها تتفق على فتوى واحدة: قمع الكورد، ومحو هويتهم، وتجريم مطالبهم. لقد قُصفت حلبجة بالكيماوي، ودُفن مئات الآلاف في مقابر جماعية، وحُرقت القرى، وصودرت الأراضي، كل ذلك باسم “الدولة” التي يمثلها “خليفة” العصر، سواء كان بعثيًا أو عثمانيًا أو صفويًا. والعذر دائمًا جاهز: الحفاظ على وحدة الأمة، أو “الجهاد ضد الانفصاليين”، أو “وأد الفتنة”.

ولذلك، من المفارقة أن يأتي من يُسمّون في أدبياتنا الدينية بـ”الكفار” ليمنحوا الكورد بعضًا من حقوقهم. فالرئيس جورج بوش – برغم كل مآخذه – كان هو من أنهى حقبة البعث في العراق، تلك الحقبة التي مارست ضد الكورد إبادة جماعية لم يعرفها شعب في المنطقة الحديثة. وبعده جاء دونالد ترامب، الذي ساهم في بسط الكورد السوريين لسيطرتهم على أجزاء واسعة من شمال سوريا، وأوقف تمدد القوى الدينية المتطرفة، وفرض حضورًا للكورد في المعادلة الدولية.

المفارقة الكبرى أن هؤلاء القادة، الذين لا ينتمون إلى أي مذهب إسلامي، كانوا أكثر صدقًا وإنصافًا مع الكورد من كل “الخلفاء” المحليين، من بغداد إلى دمشق، ومن أنقرة إلى طهران. هؤلاء “الكفار”، كما تصفهم منابر المساجد، هم من أوقفوا الموت، وأعطوا الكورد سلاحًا ليحموا أنفسهم، وصوتًا في المحافل الدولية، وشعورًا – ولو جزئيًا – بامتلاك الأرض والقرار.

إنني لا أكتب هنا لأُسبغ قداسة على واشنطن أو بروكسل، ولا لأنفي عنهم مصالحهم، لكن الحقيقة تفرض نفسها: الغرب لم يمنح الكورد كل شيء، لكنه منحهم ما لم يمنحه المسلمون لهم منذ قرون – الاحترام والاعتراف.

أعلم أن كثيرين سيستنكرون هذه الكلمات، سيقولون إن أمريكا استعمارية وإن أوروبا لا تهتم إلا بمصالحها. وأنا أقول: نعم، ربما، ولكن على الأقل، مصالحهم تقاطعت يومًا مع حلمنا بالحرية، بينما مصالح “إخواننا في الدين” تقاطعت دومًا مع كوابيسنا الجماعية.

الآن، يبدو أن أمريكا وأوروبا تمهدان الطريق لمرحلة جديدة في تركيا، مرحلة لن يعود فيها الكورد مجرد أقلية بلا حقوق. حزب العمال الكردستاني، الذي حارب أربعين عامًا، أصبح اليوم لاعبًا دوليًا تُحسب له حسابات، ولم يعد ممكناً تجاهله أو تصفيته ببساطة. والمستقبل قد يحمل أكثر من ذلك، حتى في إيران، حيث يقف الكورد هناك على أعتاب تحوّل تاريخي آخر.

إنني لا أقدّس أحدًا، لكنني لا أستطيع إلا أن أشكر من كفّ يد الجلاد عن شعبي. وأقولها بوضوح: إن من حرر الكورد، أو بدأ بتحريرهم، ليسوا من تسمّيهم الكتب الصفراء “خلفاء”، بل أولئك الذين وُصفوا على المنابر بأنهم “طواغيت الغرب”. وربما، في هذا الزمن المقلوب، يكون الطغيان خلاصًا، إذا كان بديله فتوى بالقتل، وراية سوداء، وقبر جماعي في صحراء بعيدة.

14/5/2025

Copyright © 2020 Kirkuk Tv All Rights Reserved Designed And Developed By AVESTA GROUP