يعد كتاب سادة الصحراء المترجم والمطبوع في 2020 عن الصراع البريطاني الأمريكي للمؤلف للمؤرخ والكاتب البريطاني المتخصّص بشؤون الشرق الأوسط (جيمس بار) عملاً تحليليا استثنائيا اذ يكشف النقاب عن التنافس الخفي بين بريطانيا والولايات المتحدة للهيمنة على الشرق الأوسط في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. لا يكتفي الكتاب برصد الأحداث التاريخية بل يغوص في تفاصيل السياسات السرية والمناورات الدبلوماسية والصراعات الاقتصادية التي شكلت مصير المنطقة، مظهرا كيف تحول التحالف الظاهري بين القوتين إلى صراعٍ على النفوذ وترك آثاراً عميقة لا تزال مرئية حتى اليوم.
أهم القضايا التي تناولها الكتاب بشكل موسع :
1. النفط: الهدف الاول للصراع حيث يؤكد الكتاب أن السيطرة على النفط كانت المحرك الرئيسي للتنافس بين بريطانيا وأمريكا. فبعد اكتشاف الثروات النفطية الهائلة في السعودية وإيران والعراق سعت بريطانيا إلى حماية مصالحها عبر شركاتها العملاقة مثل الشركة الإنجليزية-الإيرانية للنفط (المسماة لاحقاً "بريتش بتروليوم") وفي المقابل دخلت الولايات المتحدة المعترك بقوة عبر دعم شركات مثل (أرامكو) مستفيدة من علاقتها الوثيقة مع العائلة المالكة السعودية ويشرح المؤلف كيف تحوَّل النفط من مجرد مورد اقتصادي إلى سلاح جيوسياسي، استخدم لتمويل الحروب وإدارة المصالح وحتى إسقاط الأنظمة المعارضة.
2. الإرث الاستعماري وصراع الهويات: يتتبع الكاتب محاولات بريطانيا اليائسة للحفاظ على إمبراطوريتها الافلة بينما كانت الولايات المتحدة تدفع نحو نظام عالمي جديد تُسيطر عليه باعتبارها واحدة من اهم القوى الصاعدة.
- قضية فلسطين.. يسلط الضوء على التناقض في موقفي البلدين فبينما أيدت أمريكا إنشاء دولة إسرائيل عام ١٩٤٨ (بدوافع دينية وسياسية داخلية)، حاولت بريطانيا تحقيق توازن هشّ بين دعم اليهود وحماية مصالحها العربية.
- السويس ١٩٥٦.. يوثق جايمس بار أزمة قناة السويس كعلامة فارقة في تراجع النفوذ البريطاني، حيث أظهرت الولايات المتحدة – عبر معارضتها للغزو الثلاثي – تفوقها كقوة عظمى وحامية لمصالح الغرب الجديدة.
3. الحرب الباردة: يؤكد الكتاب ان الشرق الأوسط ساحة كان للصراع الخفي حيث يربط بين التنافس البريطاني-الأمريكي والحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي، موضحاً كيف لعبت الدولتان بالمنطقة كرقعة شطرنج لاحتواء المد الشيوعي.
- إيران ١٩٥٣.. يروي بار بالتفصيل الانقلاب الأمريكي-البريطاني المشترك ضد رئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق، الذي أمَّم صناعة النفط، وكيف مهد هذا الحدث لثورة ١٩٧٨ الإسلامية.
- الدعم المزدوج للأنظمة.. تكشف فصول الكتاب عن سياساتٍ متناقضة فبينما دعمت أمريكا أنظمة استبدادية مثل السعودية لمحاربة الشيوعية حاولت بريطانيا إطالة عمر أنظمة موالية لها في الأردن ومصر.
4. الدبلوماسية السرية والاغتيالات السياسية : يظهر المؤلف أن كلا البلدين اعتمدا على (الحرب القذرة) لتحقيق أهدافهما عبر.
- التلاعب بالحكومات المحلية عبر رشاوى وتهديدات.
- تمويل حركات تمرد أو انقلابات (كحالة سوريا في الخمسينيات).
- التستر على جرائم مثل اغتيال السياسيين المعارضين، كما حدث مع عبد الكريم قاسم في العراق.
5. ولادة الأنظمة العربية الحديثة وأزماتها : يرى الكتاب أن التنافس الغربي ساهم في تشويه التطور السياسي للدول العربية عبر..
- تقسيم الحدود بشكل مصطنع (اتفاقية سايكس-بيكو ١٩١٦) لخدمة المصالح الاستعمارية.
- إفشال المشاريع الوحدوية مثل تجربة الوحدة بين مصر وسوريا (١٩٥٨-١٩٦١)، خشيةً من صعود قوة عربية موحدة.
- تعزيز الانقسامات الطائفية كأداةٍ للسيطرة، كما في لبنان والعراق.
يذهب جيمس بار إلى أن التنافس البريطاني-الأمريكي لم يكن مجرد صراعٍ على النفوذ، بل كان كارثةً على استقرار الشرق الأوسط فقد زرع بذورَ الحروب الأهلية وصعود التطرف الديني واوجد أزمات الهوية الاثنية والطائفية. ويشير إلى أن المنطقة ما زالت تدفع ثمن هذه السياسات من احتلال العراق إلى الربيع العربي وانهيار الدول يقدم الكتاب تفسيراً جذرياً لأزمات الشرق الأوسط الراهنة مظهرا ان التدخل الأجنبي ليس وليد القرن الحادي والعشرين بل هو امتداد لسياسات استعمارية جديدة .يصنف جايمس بار كواحدٍ من المؤرخين القلائل الذين جمعوا بين الدقة الأكاديمية وسرد يشبه قصص الجاسوسية كاشفاً الوجه الخفي للتاريخ الذي يكتب بعيدا عن الأضواء.
Copyright © 2020 Kirkuk Tv All Rights Reserved Designed And Developed By AVESTA GROUP