في لحظة تختلط فيها العاطفة بالتحليل، ويحتشد فيها الماضي في وجه المستقبل بذكرى تأسيسه، تلك اللحظة التي لم تكن حدثاً عابراً في سجل التنظيمات السياسية، بل ولادة مشروع فكري وحركي أراد أن يجمع بين جذور الانتماء القومي واماني العدالة الاجتماعية ، تمر هذه الايام الذكرى الخمسون على تأسيس الاتحاد الوطني الكردستاني. إن مرور سنوات عديدة على تأسيس أي حزب لا تقاس فقط بتقادم الزمن بل بما أنجزه من مواقف، وما قدّمه من تضحيات، وما أثاره من جدل، وما أصرّ عليه من مبادئ في وجه التحولات والتحديات والصراعات المحلية والإقليمية والدولية . اليكيتي منذ ولادته سعى إلى استعادة المعنى العميق لفكرة القومية لا بوصفها تعصباً عرقيًا أو امتيازًا فوقيًا، بل باعتبارها شعوراً بالانتماء إلى مصير مشترك، وثقافة جامعة وتاريخ مقاوم ولذا جاءت قوميته منفتحة، تحررية، لا تتناقض مع التعدد، بل تؤمن أن الأمة هي مشروع إنساني يتسع لكل أبنائه واكبر دليل على ذلك قناة فضائية التي جمعت كل النسيج العراقي في محطة إعلامية واحدة ورغم قوة وسائل التواصل الاجتماعي الان في سرعة النشر والتأثير المباشر، يبقى للإعلام التقليدي، خاصة قناة كركوك الفضائية، دورا محوريا في التوثيق والتحليل والمصداقية وصناعة الرأي العام لانها مؤسسة تحاول رغم كل المعوقات ان تبقى حيادية ومهنية .
اتخذ المؤسسون الأوائل للحزب يسارية تنبع من صميم الواقع نعم قد تكون مستوردة من نظريات غربية جامدة لكن المؤسسون جعلوها تليق بمجتمعنا وعاداتنا وتقاليدنا لانها ولدت من معاناة الناس من صرخات العمال وظلم الفلاحين وقهر النساء وحرمان الشعب الكردي والعراقي من ابسط حقوقه . لقد وقف الحزب في بياناته ومواقفه وتحالفاته، إلى جانب الفقراء والمهمشين والمظلومين ورفع شعار العدالة لا كشعار سياسي او انتخابي ، بل كمبدأ نضالي يترجم في السياسات والبرامج والرؤية العميقة لتطلعات الجماهير وليس سرّاً أن مسيرة الحزب لم تكن مفروشة بالورد فقد واجه القتل والاعدامات والتشريد والتهجير والقمع والاعتقالات، كما واجه تحديات داخلية، تتعلق بالبنية التنظيمية، وتباين الآراء بين من تمسكوا بكلاسيكيات السياسة ، ومن نادوا بالواقعية السياسية وتأثير الاحداث العالمية على المنطقة وبين الأمل والانكسار ظل الحزب رغم التحديات صامدًا لأنه لم يكن مجرد تجمع عاطفي عابر، بل حركة فكرية اجتماعية، تستمد شرعيتها من الجبل ومن الذاكرة الجماعية التي عاشت رغم الحديد والنار ومن الأحلام التي لم تمت في سجون الديكتاتورية . ولان المستقبلٌ على المحك ففي هذه الذكرى ولم يكتفي الحزب بقراءة تاريخه، بلهو دوما يفتح باباً نحو المستقبل يسائل نفسه قبل أن يسائل غيره يراجع مواقفه، يرمم صدوعه، ويجدد دماءه بفكر جديد لا يفرط بالمبادئ ولا يغفل تغيرات الواقع. ولأنه اخذ في حساباته مستقبل العراق بات سؤاله ليس من نحن؟ بل كيف نستمر؟ وكيف نكون فاعلين في زمن التسويات الكبرى والصراعات الإقليمية والدولية؟ إن عيد ميلاد أي حزب ليس لحظة احتفالية وحسب بل وقفة صادقة مع الذات. وفي حالة الاتحاد الوطني الكردستاني فإن الذكرى تحمل في طياتها معنى النضج ومعنى الإصرار على أن السياسة ليست مهنة للمناورة بل التزام عميق بقضية، وهمّ مشترك، ومشروع ينهض كلما حاولوا إسقاطه وكثرت عليه الصعوبات . كل عام والحلم باقٍ، والراية مرفوعة وإن تغيّر الزمن أو تعثرت الخطى.
Copyright © 2020 Kirkuk Tv All Rights Reserved Designed And Developed By AVESTA GROUP