طيف أزمة جديدة وسراب المسؤولية الوطنية

ستران عبدالله
20:10 - 2025-05-29

هناك مقولة في الادبيات السياسية ينسب للرئيس شارل ديغول تقول (ان الحرب اخطر من ان تترك للجنرالات) و بالمناسبة فأن خلفية هذه المقولة تأتي عن خبرة و دراية عملية. فديغول نفسه كان جنرالا خاض العديد من الحروب و انتصر فيها و كانت مكافئته عن كل التضحيات العسكرية ثقة الشعب الفرنسي فيه و تسليمه قيادة البلاد السياسية عن طيب خاطر ديمقراطي.
ومع هذا فأن الرئيس والجنرال المحنك كان يعرف ان قرار الحرب مسؤولية خطيرة لايجب ان يبت فيها إلا الساسة و مؤسساتهم المدنية الذين يدركون مخاطر الاستحواذ على القرار العسكري و مايترتب على ذلك من مأسي و كوارث سرعان مايتنصل منها ذوي الرؤوس الحامية و يدفع ثمنها الشعوب والمجتمعات المنكوبة.
والشيء بالشيء يذكر فأن المعضلات السياسية بين الفرقاء السياسيين، بين الحكومات المركزية و حكومات الأقاليم و داخل العملية السياسية بين النخب التي تعمل على تأسيس تجربة دستورية جديدة في بلد مر بمراحل من المركزية المقيتة والتصارع القومي والطائفي في ظل الدكتاتورية الشوفينية والعسكرية. يجب ان تحل وفق حزمة حلول دستورية وطنية تأخذ بنظر الاعتبار كل تلك الخلفيات السياسية و التجارب المرة التي مر بها العراق.
ان أزمة رواتب موظفي اقليم كردستان ليست أزمة مالية بحتة يعبر عنها بأرقام صامتة مختلف عليها بين بغداد و أربيل بل هي اعمق من ذلك. وهي اخطر من ان تترك لوزيرة بيروقراطية نشأت في بيئة مسلكية لا تأخذ أبدا بنظر الاعتبار الأبعاد السياسية و الخلافات الدستورية بين الطرفين ،و يبدو انها تتجاهل عمق الأزمة السياسية عبر تلويحها بأرقام صفرية لايفقه منها المواطن العراقي شيئا و عبر الإدلاء بتصريحات متشنجة بينها و بين مسؤولي وزارة مالية الاقليم.
المحكمة الفدرالية العليا قالت كلمتها الفاصلة حول ضرورة ضمان رواتب موظفي أقليم كردستان. والاتفاق الذي جرى توقيعه بين الحكومة الاتحادية و حكومة الاقليم مهما أختلفنا حول تفاصيله ومهما برر كل طرف تذمره من بعض بنوده هو أتفاقية داعمة لقرار المحكمة العليا و تؤكد على أولية الاستحقاق المعيشي لموظفي الإقليم أسوة بأقرانهم في كل مناطق العراق. وعلى وزارة السيدة طيف سامي أن تبدع وتبتدع وسائل قانونية أخرى لالزام وزارة مالية الإقليم فيما يتعلق بتفاصيل التزامات الطرفين لا أن تلجا الى وسيلة ادارية غير موفقة في جعل رواتب جزء من الشعب العراقي رهينة خلافات أدارية و مالية لم تتوصل لحلول مجدية حولها رغم أجتماعاتها الدورية مع مسؤولي الإقليم.
ومن واجب رئيس الحكومة العراقية السيد محمد شياع السوداني أن ينبه السيدة الوزيرة الى مسؤولية الحكومة الوطنية تجاه جميع ابناء الشعب العراقي دون فرق. وأن تبعد ملف الرواتب عن نزعاتها السياسية الضيقة باسم الاستحقاقات المالية وأن لاتغطي تلك النزعات بلبوس الاجراءات الإدارية والمالية المسلكية.
أن أرزاق المواطنين أخطر من أن تترك بيد وزارة لاتعي مهمتها الحساسة في تعزيز اللحمة الوطنية بين مكونات الشعب العراقي.

Copyright © 2020 Kirkuk Tv All Rights Reserved Designed And Developed By AVESTA GROUP