عصر الذكاء الاصطناعي.. حين تغيب الجغرافيا وتشتعل الحرب دون جيوش

سوران الداوودي
19:20 - 2025-07-06

لم تعد الحرب كما نعرفها. فزمن البطولات الكلاسيكية والاصطفافات العسكرية التقليدية قد طُوي، و سقطت معه مفاهيم النصر والهزيمة كما عرفتها البشرية في القرن العشرين. نحن الآن في عصر جديد… عصر الذكاء الاصطناعي، حيث تُخاض المعارك بلا جيوش، وتُدار الحروب بلا حدود، ويغيب الجندي عن الميدان ليحل محلّه “الدرون” و”الخوارزمية” و”السايبر.”
في هذا العالم الجديد، لا يصطف الجنود في الخنادق، بل تُطلق الطائرات المسيّرة من آلاف الكيلومترات، وتُزرع فيروسات رقمية قادرة على تعطيل أنظمة الطاقة والبنى التحتية، وتُستخدم البيانات كسلاح استراتيجي بامتياز. لم يعد جسد الإنسان طرفًا في المواجهة، بل أصبح العقل – وتحديدًا العقل الاصطناعي – هو من يحرك خيوط اللعبة.
لعلّ أفضل تمثيل لهذه التحوّلات هو الصراع القائم بين إيران وإسرائيل. صراع لم تشبه الحروب التقليدية، ولم تزحف فيه دبابات على الحدود، لكن نيرانه تشتعل يوميًا في سماء سوريا، ومياه الخليج، وساحات الإنترنت، ومختبرات الطاقة النووية.
إسرائيل، التي طالما اعتمدت على التفوق الجوي والتكنولوجي، باتت تخوض معركتها مع إيران عبر عمليات دقيقة تستهدف البرنامج النووي الإيراني عبر الاختراقات السيبرانية أو الطائرات المسيّرة، كما حدث في الهجوم على منشأة “نطنز” الشهيرة، الذي عطل أجهزة الطرد المركزي وأعاد البرنامج شهورًا إلى الوراء. في المقابل، ردّت طهران بأساليب مماثلة، شملت محاولات اختراق البنية التحتية الإسرائيلية، وهجمات عبر وكلاءها في المنطقة باستخدام الطائرات المسيّرة والصواريخ الدقيقة.
هذه الحرب غير التقليدية باتت تعتمد على خنق الخصم وإرباكه، لا على احتلال أرضه. لم تعد الجغرافيا مهمة، فقد تجري الحرب من غرفة عمليات رقمية في تل أبيب ضد منشأة في أصفهان، أو من طائرة مسيّرة تطير فوق البحر الأحمر لتضرب هدفًا في قلب إسرائيل.
الردع، كما عرفناه، لم يعد قائما على حجم الجيوش أو عدد الرؤوس النووية، بل على مدى القدرة على “شل” قدرة الخصم دون إثارة حرب شاملة. إسرائيل تدير استراتيجيتها حاليًا على أساس “الردع الغامض”، إذ تضرب دون تبنٍ رسمي، وتترك للخصم عناء التقدير والرد. وإيران بدورها تلعب لعبة النفس الطويل، وتستثمر في شبكة إقليمية من الحلفاء والوكلاء، تجعل الحرب غير المباشرة أكثر تكلفة من أي معركة نظامية.
لقد أصبحت العمليات الخفية – السيبرانية، الجوية الدقيقة، أو الأمنية – أكثر تأثيرًا من أي اشتباك بري. كما أن تكلفة الحرب أصبحت موزعة، حيث تُخاض بالوكالة، وبأدوات غير مرئية، لكنها دقيقة ومميتة
إن أكثر ما يُقلق في هذا التحول الاستراتيجي هو أن ساحة الحرب باتت تشمل الجميع: المدنيون، المؤسسات، المدن الذكية، وحتى البيانات الشخصية. لم يعد هناك “خط مواجهة” واضح، بل أصبح العالم كله متصلًا بهذه المعركة الصامتة. ففي زمن الذكاء الاصطناعي، أي شبكة متصلة قد تصبح ساحة معركة، وأي طائرة بدون طيار قد تحمل “رمز البداية” لحرب أكبر.
نحن في زمن يكتب فيه العقل الاصطناعي سيناريوهات الحرب، ويضع الإنسان خارج مشهد المعركة دوره مهمش  إلا كضحية أو محلل متأخر.

Copyright © 2020 Kirkuk Tv All Rights Reserved Designed And Developed By AVESTA GROUP