الكرد بين سيفر و لوزان

فارس عثمان
14:54 - 2022-07-26

*مدارات كردية

إثر هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى 1914- 1918 واستسلامها في مودرس 30 تشرين الأول 1918، دعت الصحف والجمعيات الكردية إلى استقلال كردستان، وتأسيس دولة كردية، وقد ساعد على ذلك استقلال البلاد العربية بعد حركة « ثورة » الشريف حسين، ووعود الحلفاء خاصة بريطانيا التي طالبت: « بتحرير الشعوب الخاضعة للدولة العثمانية ووصول الضابط الإنكليزي نوئيل إلى كردستان، والاتصال بالزعماء ورؤساء العشائر الكردية. لمعرفة موقفهم من : العرض البريطاني « بفصل كردستان عن تركيا  الذي كان يردد وبحماس: ((بأن على الكرد الاعتماد على وعود بريطانيا العظمى )) وقد عزز ذلك الدعوة لعقد مؤتمر للسلام (( مؤتمر الصلح )) لإعادة تقسيم تركة الإمبراطورية العثمانية بشكل خاص.

 

مؤتمر الصلح:

انعقد في باريس بمشاركة 32 دولة ووفود غير رسمية ، في 18 كانون الثاني 1918 واستمرت أعماله لغاية  21 كانون الأول من عام 1920،وقد ساد المؤتمر جو من التنافس الاستعماري بين الدول المنتصرة بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا لتقسيم ممتلكات ألمانيا والإمبراطورية العثمانية، وجاءت معظم قرارات المؤتمر لصالح كل من بريطانيا وفرنسا، وحاول الكرد تحقيق أمانيهم القومية بالاستقلال عن الدولة العثمانية، من خلال هذا المؤتمر، معتمدين على وعود بريطانيا ومبادئ الرئيس الأمريكي ولسون ((حق الشعوب في تقرير مصيرها)).

 

الوفد الكردي في مؤتمر الصلح:

شارك الكرد في المؤتمر بوفد غير رسمي برئاسة الجنرال شريف باشا[1]، الذي انتخب لرئاسة الوفد الكردي من قبل جمعية تعالي وترقي كردستان، وحزب استقلال الكرد، والجمعية  الكردية، والحزب الديمقراطي الكردي، لتمثيل الكرد في المؤتمر وضم الوفد فخري عادل بك، وعادل بك المارديني، وصالح بك حسني مدير شؤون شريف باشا، وغالب علي بك سكرتير شريف باشا، وحاول الشيخ محمود الحفيد إرسال وفد خاص إلى باريس للالتحاق بشريف باشا، إلا أن الإنكليز حالوا دون وصوله.

ولعب الوفد الكردي رغم صغر حجمه، دورا بارزا في المؤتمر، رغم العراقيل التي وضعت أمامه من قبل تركيا التي سعت لمنع مشاركة الكرد في المؤتمر، كذلك لم ترتاح بريطانيا وفرنسا، لوجود وفد كردي مستقل يمثل الكرد في المؤتمر، لأنها ارادت الانفراد بحل المسألة الكردية وفق مصالحها الخاصة .وقد أتصل شريف باشا بممثلي أغلب الدول المشاركة في المؤتمر , لشرح القضية الكردية. خاصة ممثل بريطانيا وعرض عليه(( وضع كردستان تحت الانتداب البريطاني)).ونسق الجهود مع الوفد الأرمني الذي شارك في المؤتمر بوفدين أحدهما برئاسة اواديس اوهانيسيان رئيس وفد الجمهورية الأرمنية، والثاني برئاسة الوزير بوغوص نوبار باشا الوزير المصري السابق الذي كان يمثل المقاطعات الأرمنية في الأراضي التركية

وقد جرى الحديث لأول مرة عن كردستان والقضية الكردية في المؤتمر في 29 ك 2 عام 1919 من قبل ممثل الوفد البريطاني الذي دعا إلى فصل (( أرمينيا وسوريا وميزوبوتاميا و كردستان وفلسطين وشبه الجزيرة العربية عن الامبراطورية التركية فصلاً تاما))، ودعت بريطانيا إلى إعادة تقسيم كردستان، بإعطاء أجزائها الجنوبية لبريطانيا، والجنوبية الغربية لفرنسا، والغربية والشمالية للولايات المتحدة الأمريكية، وإبقاء كردستان الشرقية على شكل مقاطعة في إيران .

 

موقف بريطانيا:

كانت بريطانيا من أكثر الدول اهتماماً بكردستان، بسبب موقعها الهام في قلب الشرق الأوسط، التي تسعى بريطانيا للسيطرة عليه برمته. ولقربها من منطقة الخليج ومنابع النفط العربية والإيرانية. وازداد اهتمامها بها بعد اكتشاف النفط فيها وبكميات كبيرة.

 

موقف فرنسا:

اهتمت فرنسا بكردستان، لأن السياسة الفرنسية كانت ترتكز على السيطرة الاقتصادية والمالية على الدولة العثمانية، وبسط سيطرتها على شرق المتوسط، خاصة « سوريا ولبنان ». وكان النفوذ الفرنسي واضحا في كردستان من خلال البعثات التبشيرية، والمدارس الفرنسية، والمشاريع الاقتصادية.

 

موقف الولايات المتحدة:

رفعت الولايات المتحدة شعار حق الشعوب في تقرير مصيرها، خاصة في الدولة العثمانية، ودعت إلى إنشاء عصبة الأمم. ورفضت العرض البريطاني الفرنسي بالانتداب على أرمينيا وجزء من كردستان إلا أن هزيمة الحزب الديمقراطي وانتهاء فترة رئاسة ولسون . دفعتها للانسحاب من المؤتمر.

وحاول وفد الدولة العثمانية التي استسلمت بموجب هدرنة مودرس 1918 برئاسة الداماد فريد باشا، وكذلك الوفد الإيراني منع مناقشة القضية الكردية، وحتى مشاركة شريف باشا والوفد الكردي في هذا المؤتمر

ولتفويت الفرصة على الوفد التركي نسق شريف باشا الجهود مع الوفد الأرمني برئاسة الوزير بوغوص نوبار باشا الذي كان يمثل المقاطعات الأرمنية في الأراضي التركية، واصدرا بيانا مشتركا كان له صدى إيجابي في المؤتمر، جاء فيه :

 

بيان مشترك

((…إننا بالاتفاق التام معاً نناشد مؤتمر السلام منحنا السلطة الشرعية وفق مبادئ القوميات، لكل من أرمينيا المتحدة والمستقلة وكردستان المستقلة، بمساعدة إحدى الدول الكبرى، ونؤكد اتفاقنا التام باحترام الحقوق المشروعة للأقليات في كلا الدولتين)).”

التوقيع ”

بوغوص نوبار رئيس الوفد الأرمني .                            شريف باشا رئيس الوفد الكردي

 

وجهة النظر الكردية:

ورداً على تقسم كردستان أرسل شريف باشا رئيس الوفد الكردي في المؤتمر رسالة إلى رئيس الوزراء الفرنسي جورج كليمنصو بوصفه رئيساً للمؤتمر، طالب فيها باستقلال كردستان وعرض وجهة النظر الكردية على ( المجلس الأعلى للمؤتمر ) من خلال مذكرتين:

الأولى باللغة الفرنسية في 22 آذار من عام 1919 وهي تحمل توقيع الجنرال شريف باشا رئيس الوفد الكردي إلى مؤتمر باريس، وقد طبعت على شكل كراس خاص يقع في 14 صفحة.وتضمنت (( المطالب المشروعة للأمة الكردية ))، وطالب بتأسيس دولة كردية مستقلة، وفق مبادئ ولسون (( حق الشعوب في تقرير مصيرها ))، وفي المذكرة معلومات عن الكرد ومناطق سكناهم، ووضعهم، ونضالهم، ومطاليبهم. وعلاقتهم مع الأرمن. مرفقة بخارطة لكردستان ضمت كردستان تركيا، و جزءً كبيرا من ولاية الموصل.

وقدم المذكرة الثانية في 1آذار 1920، شدد خلالها على ضرورة فصل الأراضي الكردية عن الدولة العثمانية، وتأسيس دولة كردية مستقلة على غرار الدولة الأرمنية.  بحدود على بحر قزوين والبحر المتوسط، لتصدير الثروات الكردستانية إلى الخارج، ودعا فيها إلى تشكيل لجنة دولية تشرف على ضم الأراضي التي يؤلف الكرد فيها الأكثرية إلى الدولة الكردية المستقلة « كردستان .

وردا على موقف رئيس الوفد التركي الداماد فريد باشا الذي حاول الإيقاع بين الكرد والأرمن، والحديث عن الخلافات الكبيرة بين الأرمن والكرد، والدعوة إلى الحفاظ على الممتلكات العثمانية في قارة آسيا ضمن حدود الدولة التركية، وعلى الروابط والعلاقات الأخوية بين كافة المكونات والقوميات وخاصة الدين الإسلامي.

وجه رئيس الوفد الكردي ورئيس الوفد الأرمني الموحد رسالة مشتركة إلى رئيس الوزراء الفرنسي كليمانصو بوصفه رئيساً لمؤتمر الصلح تضمنت:

 

باريس 20 تشرين الثاني 1919سيادة الرئيس

يسعدنا أن نسلمكم طياً نسخة من كتاب معنون إلى مؤتمر السلام الموقع من قبلنا ممثلي الوفد الأرمني الموحد والوفد الكردي في مؤتمر السلام .

إن سيادتكم يرى أنه على النقيض من تأكيدات خصومنا الذين يزعمون أن الأرمن والكرد لا يستطيعون العيش بسلام، فإننا عقدنا اتفاق صلح، على ضوء تحقيق أهدافنا القومية التي هي مقياس للمستقبل، فنرجو قبول ..  مع احترامنا الفائق ” التوقيع “.

 

رئيس الوفد الكردي في مؤتمر السلام ..شريف باشا

 

رئيس الوفد الوطني الأرمني ..بوغوص نوبار

 

 

نص الاتفاق:

 

الوفد الكـردي  الموحد:  12 شارع الرئيس ولسون باريسالوفد الأرمني  الموحد:   12 شارع الرئيس ولسون باريس

باريس 20 تشرين الثاني 1919

 

سيادة الرئيس:

نحن الموقعين أدناه، الممثلين للشعبين الأرمني والكردي، لنا الشرف أن نبلغ مؤتمر السلام، فشعبانا لهما نفس المصالح، ويرميان إلى نفس الأهداف، ويدركان حريتهما واستقلالهما وبالأخص للأرمن وانعتاقهم من السيطرة القاسية للحكومة العثمانية، أي تحررهم من نير الاتحاد والترقي. ونحن موحدون جميعاً في الطلب من مؤتمر السلام أن يقرر استناداً على قاعدة مبادئ القوميات خلق أرمينيا موحدة مستقلة وكردستان مستقلة  مع المساعدة من إحدى الدول العظمى .

.عن كردستان شريف باشا رئيس الوفد الكردي في مؤتمر السلام

. اوهانيسيان الرئيس المؤقت لوفد الجمهورية الأرمنية.

.بوغوص نوبار رئيس الوفد الوطني الأرمني

 

وقد حاول الرئيس الامريكي ولسون من خلال جلسات المؤتمر تقليص النفوذ البريطاني – الفرنسي في منطقة الشرق الأوسط، بطرح فكرة الانتداب، للشعوب والمناطق التي يتم فصلها عن الامبراطورية العثمانية. إلا أن انسحاب الوفد الأمريكي من المؤتمر، وتشابك مصالح بريطانيا وفرنسا، أديا إلى الإسراع بالبحث عن تفاهمات واتفاقيات لتقاسم التركة العثمانية « الغنية »، ورفضت  بريطانيا عرضاً فرنسياً بتقسيم كردستان بين فرنسا وبريطانيا، واقترحت بريطانيا:

*رفض الانتداب البريطاني، أو البريطاني – الفرنسي على كردستان

*رفض السيطرة التركية على كردستان حتى وإن كانت إسمية

*ربط قضية استقلال كردستان بتشكيل الدولة الأرمنية.

*يترك للكرد تشكيل دولة واحدة، أو مناطق متعددة.

*حماية الكرد ضد اعتداء الترك. إن أمكن.

*تقوم فرنسا وبريطانيا بمنع المشاكل الحدودية في المناطق الكردية.

وقد توصلت بريطانيا وفرنسا إلى اتفاق أولي على تقاسم التركة العثمانية في مؤتمر سان ريمو في 24 تموز 1920 بالاعتراف بالانتداب البريطاني على العراق وفلسطين، والانتداب الفرنسي على سورية ولبنان. والتمهيد لاتفاقية سيفر.

 

معاهدة سيفر 10 آب 1920

تتألف من 13 باباً و433 بنداً، أعدتها خمس لجان خاصة تفرعت من مؤتمر الصلح في باريس. وقد جاءت وفق مصالح الدول الاستعمارية ولا سيما إنكلترا و فرنسا .

وقد سميت هذه المعاهدة بمعاهدة سيفر نسبة إلى مدينة سيفر الفرنسية القريبة من باريس، وتم التوقيع عليها في (( 10 آب 1920 بين إنكلترا وفرنسا وإيطاليا واليابان وبلجيكا واليونان ورومانيا وبولونيا والبرتغال وتشيكوسلوفاكيا ويوغسلافيا والحجاز وأرمينيا من جهة، والإمبراطورية العثمانية من جهة أخرى )) .

احتلت القضية الكردية مكاناً بارزاً في معاهدة سيفر اذ خصص القسم الثالث من الباب الثالث من المعاهدة لمعالجة المسألة الكردية  وحمل هذا القسم عنوان (( كردستان )) ويتألف من المواد 64,63,62 التي هدفت إلى انشاء دولة كردية مستقلة في تركيا، يمكن أن ينضم إليها كرد كردستان العراق « ولاية الموصل » اذا ارادوا ذلك .كما تطرقت المعاهدة إلى القضية الكردية أكثر من مرة خلال مناقشة المسألة الأرمنية ومسألة الأقليات داخل تركيا. كالفصل الرابع الذي هدف إلى حماية الاقليات.

 والفصل السادس الذي حمل عنوان(( أرمينيا ))، والفصل السابع الذي حمل عنوان (( سوريا، ميزوبوتاميا، فلسطين)) وتضمنت البنود الخاصة بالكرد ما يلي:

 

البند 62:

تقوم لجنة مؤلفة من ثلاثة أعضاء معينين من قبل الحكومات البريطانية و الفرنسية والايطالية مركزها اسطنبول , خلال ستة أشهر من تاريخ تنفيذ مفعول هذه المعاهدة , بإعداد مشروع حكم ذاتي محلي للمناطق التي يشكل فيها الكرد الأكثرية والتي تقع إلى الشرق من الفرات وإلى الجنوب من الحدود الجنوبية لأرمينيا , كما تحدد فيما بعد، وإلى الشمال من الحدود التركية مع سوريا وميزوبوتاميا بشكل متوافق مع الوصف الوارد في ’’3,2,11’’ من البند السابع و العشرين من المعاهد ، وفي حالة حدوث اختلاف في الرأي حول موضوع ما،يعرض الاختلاف من قبل أعضاء اللجنة على حكوماتهم المعنية ويجب أن تتضمن هذه الخطة الضمانات التامة لحماية الآشوريين – الكلدان وغيرهم من الأقليات العنصرية أو الدينية الداخلة في هذه المناطق.ومن أجل هذا الغرض تقوم لجنة مؤلفة من ممثلين  (( بريطاني و فرنسي و ايطالي و إيراني و كردي )) بزيارة الأماكن لدراسة التغيرات التي يجب اجراؤها، عند الحاجة في الحدود التركية حيثما تلتقي بالحدود الإيرانية، ولتقريرها، بحكم قرارات هذه المعاهدة .

 

البند 63 :

تتعهد الحكومة التركية من الآن بالاعتراف بقرارات اللجنتين المذكورتين في البند 62  والقيام بتنفيذها خلال ثلاثة أشهر من تاريخ ابلاغها بها .

 

البند 64 :

اذا راجع الكرد القاطنون في المناطق الواردة ضمن البند 62، مجلس عصبة الأمم خلال سنة من نفاذ هذه المعاهدة،  مبينين أن أكثرية سكان هذه المناطق يرغبون في الاستقلال عن تركيا .واذا وجد المجلس آنذاك أن هؤلاء جديرون بمثل ذلك الاستقلال واذا أوصى – المجلس- بمنحهم إياه، فإن تركيا تتعهد من الآن أن تراعي تلك الوصية، فتتخلى عن كل مالها من حقوق وحجج قانونية في هذه المناطق، وتصبح تفاصيل هذا التنازل موضوع اتفاق خاص بين الدول الحليفة الرئيسة و تركيا.وإذا وقع مثل هذا التخلي، وفي الوقت الذي يحدث فيه، فان الدول الحليفة الرئيسة لن تضع أي عراقيل بوجه الانضمام الاختياري للكرد القاطنين في ذلك الجزء من كردستان الذي مازال حتى الآن ضمن ولاية الموصل، إلى هذه الدولة الكردية المستقلة.

 

رغم هذه الوعود بضمان حقوق الكرد حتى الاستقلال، إلا أن كل الدلائل كانت تشير إلى أن الحلفاء لم يكونوا جادين في تنفيذ بنود المعاهدة بالقوة، إذ لم تصادق عليها من بين جميع الدول الموقعة عليها سوى ايطاليا، نتيجة تغير موازين القوى وتعزيز موقع الكماليين في أنقرة الذين لم يعترفوا بحكومة فريد باشا التي وقعت على معاهدة سيفر، وخارجياً بفضل إقامة علاقات وطيدة مع الاتحاد السوفياتي, وإبرام معاهدة موسكو « معاهدة الأخوة والصداقة » مع روسيا الاتحادية في 1921/3/16، التي تضمنت التعاون المشترك بين البلدين، وتقديم الدعم المادي والعسكري لتركيا، بالإضافة إلى  إعادة ترسيم الحدود بين البلدين واقتسام بعض الأراضي.وأدت إلى تغيير موقف الدول الغربية من تركيا

 

على الصعيد الكردي :

عززت اتفاقية سيفر الآمال بإنشاء دولة كردية مستقلة، وعندما تأكد لهم أن حكومة كمال اتاتورك لا تعترف بهذه المعاهدة، وترفض منح الكرد اي حق من حقوقهم (( حتى الحكم الذاتي )) تحرك الزعماء الكرد لتنفيذ ذلك. وقام خالد بك جبري بالتعاون مع عبد القادر النهري وعبد الرحمن حكاري و يوسف زيا بنشاط واسع والعمل من أجل تطبيق ما جاء في معاهدة سيفر على أرض الواقع. وأرسلت جمعية انبعاث كردستان عدة مذكرات لعصبة الأمم لتنفيذ ما ورد في معاهدة سيفر.

وتم ارسال برقية إلى مجلس الأمة التركي للمطالبة بدولة كردية في ولايات: (( ديار بكر، العزيز، وان، بتليس )) كما ورد في معاهدة سيفر، وإلا سيضطر الكرد إلى انتزاع هذا الحق بقوة السلاح.وسعت حكومة أنقرة لـ شق الصف الكردي والادعاء بأن الحكومة تدرس مطالب الكرد، وأنها ستتخذ قرارات لصالح الكرد. ردا على ذلك اندلعت ثورة كردية عام 1921 شملت مناطق واسعة من كردستان، تم اخمادها بوحشية.

 

مؤتمر لندن: 21- 2 ولغاية 14 – 3 عام  1921

عقد في العاصمة البريطانية بين الحلفاء وتركيا « بمشاركة وفد تركي موحد برئاسة أول وزير خارجية تركي بكر سامي بك  وفي 26 شباط 1921 جرى بحث المسالة الكردية بصورة خاصة ومنفردة، وألمحت دول الحلفاء إلى أنها (( تعتزم تقديم تنازلات أمام تركيا وإعادة مناقشة مستقبل كردستان وأرمينيا )).

إذ أخذت فرنسا بمغازلة كمال اتاتورك الذي حسن وضعه الداخلي بالتحالف مع الاتحاد السوفياتي، والانتصارات المتتالية على القوات اليونانية.

وعندما وجدت بريطانيا أن حكومة انقرة ثابتة على موقفها ألمحت إلى أنها على (( الاستعداد لتعديل معاهدة سيفر )) دون المساس بجوهرها العام. وتخلت بريطانيا عن الاستقلال والدولة الكردية وطلبت من الحكومة التركية: (( منح الاستقلال الذاتي للولايات التي يعيش فيها غالبية كردية، وتحديد حدودها بدقة)).فرد وزير الخارجية التركية بكر سامي: (( ((بأن الاستقلال الذاتي لن يمنح للكرد وحدهم، بل بوجه عام لجميع الولايات، وسيتم تطبيق لا مركزية واسعة  )). وعلى هامش المؤتمر وقعت فرنسا مع حكومة أنقرة اتفاقية عسكرية، سياسية، اقتصادية عززت من خلالها مصالحها في تركيا، وقامت بتعديل حدود الانتداب الفرنسي على سوريا 1921.

وبعد أن ضمنت بريطانيا سيطرتها على « ولاية الموصل » تحسنت العلاقات البريطانية – التركية، فأعلن وزير الخارجية التركية: (( أن ميزوبوتاميا ثمن بخس مقابل الصداقة البريطانية )).

هكذا كان مؤتمر لندن أكثر من خطوة إلى الوراء بالنسبة للقضية الكردية، وتكريس لتجزئة كردستان، تخلت فيه بريطانيا عن كردستان لأنقرة عدا كردستان الجنوبية التي تقع ضمن ولاية موصل.

 

مؤتمر لوزان:

تمت الدعوة لعقد مؤتمر لوزان بسويسرا في 20 ت2 من عام 1922 الذي استمر لثمانية أشهر، مع انقطاعات بلغت حوالي 3 أشهر، كان هدف المؤتمر التفاوض على معاهدة جديدة مع تركيا، التي رفضت الاعتراف بمعاهدة سيفر. وبعد مفاوضات شاقة وطويلة تم تسوية الخلافات بين بريطانيا، فرنسا، تركيا، وقد تراس الوفد التركي عصمت إينونو بمشاركة حاخام يهودي، ومنذ افتتاح الجلسة الأولى للمؤتمر لوحت « بريطانيا وفرنسا » إلى أنها مستعدة للتنازل والوصول إلى حلول وسط. ورضخت للشرط التركي برفض مشاركة أي وفد كردي في المؤتمر، ومنع مناقشة القضية الكردية في كردستان تركيا بشكل خاص، وكانت بريطانيا وفرنسا على استعداد للتنازل عن بعض امتيازاتهما في تركيا، خوفا من ارتمائها في أحضان الاتحاد السوفياتي، الذي يشكل خطرا على مصالحهما في المنطقة. لذلك وافقت على الشروط التركية ، وبذلك تعززت مواقع  تركيا في المنطقة وعلى الساحة الدولية، وتغيرت موازين القوى لصالح حكومة أنقرة التي انفردت بالحكم في تركيا، بإلغاء السلطنة وحكومة الباب العالي، ونقل العاصمة من اسطنبول إلى أنقرة، وإلغاء الخلافة وإعلان النظام الجمهوري في 1923.

ولعدم وجود وفد كردي مستقل يمثل الكرد في المؤتمر لم تطرح القضية الكردية في لوزان، فقد تجاهلت القوى المتصارعة خاصة بريطانيا وفرنسا مصير الشعب الكردي، ووعودهم بإنشاء دولة كردية، وقد استُخدِمَ اسم الكرد وكردستان من قبل الجميع للابتزاز والمساومة، والانطلاق منه لتحقيق مصالحهم الخاص، وفي 24 تموز 1923 تم طي صفحة سيفر، ولم يرد ذكر للكرد في بنود المعاهدة الجديدة الـ 143 « معاهدة لوزان » التي تم التوقيع عليها في المدينة السويسرية الهادئة، التي كانت أروقة فنادقها ومكاتبها المغلقة شاهدةً على تحطم أماني الشعب كخزف مدينة سيفر

 

وفي الختام

ونحن على أعتاب مؤتمر جنيف 3، ونحن نتطلع لحل الأزمة السورية، ومن بينها القضية الكردية في سوريا.لا بد من نستخلص بعض النتائج من هذا البحث:

*ان الدول التي تقتسم كردستان رفضت وترفض تدويل القضية الكردية، حتى لا تأخذ بعداً دولياً، كقضية أكبر شعب في الشرق الأوسط، يعيش على أرضه التاريخية . بدون دولة .

*ان الدول التي تقتسم كردستان ومهما كانت خلافاتها، تتفق معاً لمواجهة القضية الكردية، وخير مثال اتفاق إيران وتركيا خلال سيفر. برفض إدراج القضية الكردية على جدول عمل المؤتمر

*التواجد والحضور و المشاركة الكردية في اي محفل ومؤتمر دولي عامل إيجابي، ويساهم مع غيره من العوامل في ادراج القضية الكردية على جدول العمل مثال « معاهدة سيفر ».

*ان غياب الكرد عن أي محفل دولي وبغض النظر عن المشاركين في المؤتمر، يؤدي إلى إهمال القضية الكردية، واستخدامها كورقة للمساومة والابتزاز. مثال « لوزان »

*ان الدول العظمى في الغرب والشرق يهمها مصالحها، ومصالحها فقط .لذلك تستخدم قضايا الشعوب كمطايا لتحقيق مصالحها بعيدا عن القيم الأخلاقية، والقوانين الدولية.

Copyright © 2020 Kirkuk Tv All Rights Reserved Designed And Developed By AVESTA GROUP