الثقافة ليست ترفا بل ضرورة..

حين نتحدث عن "الثقافة" في بلد متعدد الهويات، فإننا لا نتحدث عن رفاهية كمالية أو زينة حضارية نلصقها على الجداران، بل نتحدث عن العمق الذي يمسك تلك الجداران من الأساس ففي بلد تتنوع فيه القوميات وتختلف فيه الألسن وتتعدد فيه الطقوس لا يعود مفهوم الثقافة شيئا واحدا بل يصبح فسيفساء حية تتكون من قصص واساطير كثيرة وأغاني والحان  وأمثال شعبية متباينة، ولغات تنبض من الأرض كما تنبض من الذاكرة، لذلك فعمل وزارة الثقافة في هذا السياق لا يمكن أن يكون تقليديا فهي ليست مجرد جهة تنظم مهرجانا فنيا هنا أو ترعى إصدار ديوان شعر هناك  بل إن وظيفتها الحقيقية والملحة هي أن تكون الجسر بين هذه الثقافات جميعا وان تعترف بها وتراها وتحميها من التهميش أو الذوبان  وأن توفر لها المساحات الآمنة لكل جماعة لكي تعبر عن نفسها بلغتها، برقصها، بموسيقاها، بأزيائها، دون خوف أو إنكار. 
وزارة الثقافة في بلد متعدد القوميات باعتقادي يجب أن تعمل على أمرين متوازيين:
1:ـ صون الخصوصيات الثقافية لكل مجموعة دون أن تضع واحدة فوق الأخرى.
2 :ــ بناء راي عام وطني مشترك لا يلغي احدا، بل تحتضن الجميع وهذا لن يصير الا اذا استمعت الوزارة بكل كوادرها للجميع ، وتُعلم المواطن أن يفرح بتعدد الناس في بلده  كما يفرح الشاعر بوجود أكثر من استعارة في القصيدة الواحدة. أما وزير الثقافة، فدوره شاق ومعقد فهو ليس إداريا فقط بل يجب أن يكون على دراية تامة بثقافة بلده كلها، يسمع القصص المتعددة ويجمعها في رواية وطن، يجب أن يكون شجاعا في وجه النزعات اللاثقافية وامينا على توزيع الاهتمام والدعم، عليه أن يزور قرى الأقليات كما يزور العواصم الكبرى، وأن يحضر كل المهرجانات العربية والكردية والتركمانية والاشورية والارمنية في كركوك على الأقل، دوره لا يقتصر على الاحتفاء بل على الإنصاف وليس المطلوب منه فقط أن يعررف العالم بثقافة البلد، بل أن يُعرف أهل البلد بأنفسهم، بعضهم ببعض دون خوف أو تعال او عقد تاريخية ففي البلدان المتعددة الهويات تكون الثقافة وسيلة لبناء السلام تنير الطريق بوعيها وشمولها، وفي النهاية حين تكون الوزارة صوت الجميع، ويكون الوزير خادما للكل ويصبح الوطن بيتا واسعا لا يشبه غرفة واحدة مكررة بل يشبه بيتا فيه غرف كثيرة باشكال والوان مختلفة مفتوحة على بعضها ويدخلها الضوء والهواء من نوافذ متقابلة واهل هذا البيت مهما كانوا من اعراق مختلفة فهم سيعيشون باطمئنان وراحة بال .