بعد 99 عاما من اتفاقية لوزان … ما من شئ قد تغير

سعدي احمد بيرة
11:26 - 2022-07-19

يبدو أن الزمن لم يمضِ في هذه المنطقة من العالم، فبعد 99 عاماً من توقيع اتفاقية لوزان، تبدو التوازنات وشكل الحياة والعلاقات بين الدول والجماعات الأهلية وحقوق الإنسان، وحتى اكثر الأشياء بساطة، مثل الحق في الحديث والتعبير والكتابة باللغة الأم، ما تزال قائمة على الأسس التي بنيت عليها معاهدة لوزان، أي القوة، وفقط القوة لاغير.
حسب رأينا، فأن تلك التفاصيل المتعلقة بالمعاهدة، الخاصة بوجود وحقوق الشعب الكردي في هذا الإقليم مع العالم، والباقية حتى الآن، يمكن فهمها على خمسة مستويات:

• معاهدة لوزان كانت توافقاً إقليمياً ودولياً على إلغاء مبدأ أساسي في الحداثة السياسية، القائمة على حقوق الجماعات في تقرير مصيرها، لو كانت تملك الإرادة المشتركة.

فمعاهدة لوزان التي قامت على أنقاض معاهدة سيفر، ألغت البند الأساسي في تلك المعاهدة، القائم على منح الشعب الكردي الحق بتقرير مصيره، حسب المواد 62-64 منها، كباقي الأمم والشعوب التي كانت تعيش ضمن الإمبراطورية العثمانية.

اليوم، ثمة الكثير من ذلك، توافق دولي و إقليمي بعدم جدارة شعب اصيل و مكون أساسي من شعوب المنطقة على تقرير مصيره، حسبما يشاء وحسبما يقرر، ولو كان مستعداً لأقصى درجات التعاون والتعايش مع باقي شعوب ومكونات المنطقة.

• كذلك كانت معاهدة سيفر سعياً حميما لتكريس الإلغاء، الجغرافيات واللغات والشعوب، وحتى التاريخ. اشكال الإلغاء تلك، التي طُبقت تفصيلاً على مقاس إلغاء الأمة الكردية، كانت تعني تغييراً جذرياً للحقائق الموضوعية على الأرض، وعبر القوة.

فالشعب الكردي، وفي مختلف بلدان المنطقة، خاض ملحمة الثورات والانتفاضات ليس لرغبة ذاتية أو نزوع مجرد للعنف، بل فقط من مبدأ الدفاع عن النفس، في مواجهة الإلغاء الذي كان يلاحقه عبر تلك المعاهدة.

راهناً، لايزال الإلغاء مستمراً، وإن بمستويات مختلفة، بين دولة وأخرى، لكنه يبقى إلغاء، طالما ليس هناك من اعتراف جماعي بوجود جغرافية ولغة وهوية وشعب كردي في هذه المنطقة، إلى جانب اشقائه وشركائه، العرب والفرس والأتراك والأرمن وغيرهم.

• معاهدة لوزان أيضاً فتحت الباب واسعاً أمام اشكال الهندسة الاجتماعية والسياسية، حينما دفعت باتجاه نقل ملايين السكان المسيحيين من تركيا إلى اليونان، والمسلمين من اليونان إلى تركيا. و بالمقابل غض النظر عن عمليات التهجير التي مارستها الدولة بحق الشعب الكردي، تحت يافطة المشاريع الاقتصادية. لكنها جميعاً كانت اشكالاً من الجينوسايد والإبادة الثقافية، حينما كانت تفصل مئات آلاف البشر عن جذورهم.

فتحت هذه العقلية المتأتية من اتفاقية لوزان الباب واسعاً أمام ما يناظرها من هندسات اجتماعية، في اوقات لاحقة بعد اتفاقية لوزان في بداية القرن ، وفي اواخر القرن العشرين حيث كانت حملة الأنفال المريعة التي نفذها النظام العراقي البائد ذروة تلك الممارسة الفظة بحق البشر.

اليوم، في عفرين وسريكانية وغيرها من المناطق، ثمة ما يشبه ذلك، ويُطبق بحق الشعب الكردي، الذي كان الضحية المزمن و  المستمر للاتفاقية.

• فوق ذلك، فأن المعاهدة كانت مثالاً فاقعا عن تحول شعوب ومصالح أبناء المنطقة إلى بيادق في أيادي تنافس القوى الكبرى وصراعات الأمم.

فإلغاء الشعوب الأرمنية والسريانية واليونانية والكردية في صك المعاهدة، وتحويل كامل المنطقة إلى فضاء ذو هوية واحدة، هي التركية، تم فقط لأن بريطانيا وفرنسا كانتا تحاولان إرضاء تركيا حتى لا تقترب من الثورة الشيوعية/البلشفية في روسيا وقتئذ.

استمر ذلك الإرضاء، وعلى حساب شعوب وحقوق الجماعات في المنطقة، حتى وقتنا الراهن، وإن بصيغ وأشكال اخرى.

نفس الأمر يجري راهناً، ما تزال التشكيلات الأهلية والشعوب الأصغر حجماً والثقافات المحلية ضحايا مؤازرة الدول الكبرى لدول منطقتنا، على حساب مجتمعاتها الداخلية وحقوقها، لا تزال التوافقات والمصالح الدولية الكبرى مستعدة لان تكون على حساب الناس وحقوقها في منطقتنا.

• لكن أهم ما في روح معاهدة لوزان الشرير  كان تثبيت قاعدة أن الجيوش والعسكر هم من يقررون مصائر المجتمعات والبلدان، لا العكس.

فبشكل مناقض لكل التجارب العالمية، حيث أن المجتمعات والنضالات المشتركة المتراكمة من المفترض أن تحدد أطر الدول واشكالها وانظمتها السياسية وعلاقاتها الدائمة، فأن اتفاقية لوزان التي جرت بين قادة الجيوش المتصارعة وقتئذ، أقرت أن الجيوش وقوتها وسطوتها تعلو أي شيء آخر. تعلو قيم  السياسة ومبادئ حقوق الإنسان وديناميكيات الحداثة السياسية،كالديمقراطية وفصل السلطات ودور البرلمانات.

راهناً، هل منطقتنا هي إلا ذلك، هل هي شيء آخر غير ساحة كبرى لصراعات العنف وسطوة البارود والهيمنة، و من كل حدب وصوب .

و بمعنى ما،  فأن معاهدة لوزان اسست البنية التحتية لشكل الحياة في منطقتنا، تلك المعاهدة التي قالت أنها أتت لإنهاء الحرب وتكريس السلام، لكنها فعلت كل شيء عكس ذلك، بقول مختصر للمؤرخ البريطاني ديفيد فرومكين: "كانت معاهدة سلام، ما بعده سلام".

Copyright © 2020 Kirkuk Tv All Rights Reserved Designed And Developed By AVESTA GROUP