التراث وتحديات المواطنة

في مجتمعاتنا توجد الكثير من التحديات التي تواجه مسألة المواطنة، حيث تظهر معضلة المواطنة في المجتمعات المركبة التي تتميز بتباينها وغناها بالاعراق والأصول الاجتماعية والاثنية والثقافية، في حين  لاتواجه هذه الإشكالية المجتمعات البسيطة التي تتميز بأغلبية ثقافة واحدة او عرق واحد.
كما أشرنا ان هذه التحديات كثيرة و متنوعة ومتداخلة، ولكن نركز في هذه المقالة على جانب واحد منها وهو التراث، فالتراث مفهوم واضح للجميع ومتفق على تعريفه على الأغلب بأنه خلاصة التجارب السابقة للمجتمع للاستفادة منها و الاعتبار بها في الحاضر والمستقبل، ولها صفة الاستمرارية التي تأتي من مدى النفع الذي يقدمه للأجيال القادمة، فإن قضى انقطع ونسي.                                   
فتنوع المكونات الاجتماعية والعرقية والاثنية يقود بالضرورة إلى تنوع التراث مما يشكل عقبة في بناء المواطن الذي يجمعه مع أبناء مجتمعه حدا معقولا من التراث والثقافة المشتركة الرصينة.                   
فإنه من المفروض ان يكون تنوع التراث الانساني في المجتمع في أصله و حد ذاته ثروة حضارية وفكرية ان تم معاملته بصورة صحية وان لم يتم استغلاله وسوء استعمالها من قبل مؤسسات وأشخاص غير مؤهلين لهذا المجال وبالتالي يقود إلى تقوقع الجماعات والاعراق بتراثها وعدم الاندماج في مجتمع كبير جامع لكل هذه النتاجات الفكرية الإنسانية و بالتالي إلى العنف والصراع المحتوم.                                          
  هنا يجب الإشارة إلى مفهوم مهم كخطوة لحل رصين لمسألة المواطنة وهو (الاندماج الاجتماعي) وضرورة تمييزه عن مفهوم (الانصهار الاجتماعي) فالاخير حل هش وذلك بفرض تراث شمولي على حساب المجموعات التراثية الأخرى، وغالبا ما يتبع هذه الطريقة في المجتمعات ذات الانظمة الاستبدادية الشمولية والتي سرعان ما تنهار بضعف سلطة الانظمة الحاكمة وغالبا ما تنتهي بالعنف بين الفئات العرقية والاجتماعية المختلفة، بينما الاندماج الاجتماعي والذي نصبو إلى تحقيقه هو خلق مجتمع جامع (وليس شمولي) لجميع المكونات الاجتماعية والعرقية و تراثهم المتباين بأيجاد و احياء مشتركات تراثية رصينة بين أبناء المجتمع المتنوع تراثيا، مع احتفاظ كل مجموعة بخصائصها المميزة لها، وهذا يتم عن طريق مؤسسات الدولة المتخصصة بالاستفادة من المختصين الاجتماعيين والتربويين وكذلك إعطاء دور مهم لمؤسسات المجتمع المدني في تهيئة افراد المجموعات العرقية والتراثية إلى الاندماج و تهيئة المجتمع على استقبالهم بمميزاتهم التراثية.