الصراع على التوازنات في سوريا

سوران الداوودي
15:16 - 2025-01-15

بعد سقوط النظام السوري، أصبحت سوريا ساحة مفتوحة للصراعات الإقليمية والدولية، حيث تسعى القوى الكبرى لتحقيق مصالحها في ظل الفراغ السياسي والأمني الذي خلفه انهيار النظام. تركيا، التي لطالما اعتبرت سوريا جزءًا من مجال نفوذها الإقليمي، تتحرك بشكل مكثف لتعزيز وجودها على الأرض، مستغلة التقارب الأيديولوجي بينها وبين المجموعة الحاكمة الجديدة في سوريا. في الوقت نفسه، بدأت إسرائيل بالتلميح إلى إمكانية تقديم دعم لقوات سوريا الديمقراطية، القوة العسكرية التي تقودها وحدات حماية الشعب الكردية والتي تعتبرها تركيا جماعة إرهابية.

إسرائيل، التي تشعر بقلق متزايد من الطموحات التركية في سوريا، ترى في قوات سوريا الديمقراطية حليفًا محتملًا يمكن استخدامه لموازنة النفوذ التركي المتصاعد. قوات سوريا الديمقراطية، التي تضم الكرد والعرب والمسيحيين، تمثل قوة متعددة الأعراق يمكن أن تكون مفيدة لإسرائيل في بناء علاقات مع الأقليات في المنطقة. كما أن دعم إسرائيل لهذه القوات قد يكون وسيلة فعالة لإضعاف تركيا وإحباط خططها للتوسع في سوريا. إسرائيل تدرك أن تركيا تنظر إلى قسد كتهديد أمني مباشر، وبالتالي فإن أي دعم تقدمه لتلك القوات سيعقد الحسابات التركية ويضع قيودًا على تحركاتها.

في المقابل، تجد تركيا نفسها في موقع قوي بعد سقوط النظام السوري. المجموعة الحاكمة الجديدة في سوريا، والتي يعتقد أنها قريبة من “هيئة تحرير الشام”، تتبنى توجهًا إسلاميًا قريبًا من الإخوان المسلمين، ما يجعلها أكثر انسجامًا مع التوجهات التركية. هذا التقارب يمنح أنقرة فرصة لتعزيز نفوذها السياسي والعسكري والاقتصادي في سوريا، من خلال دعم الحكومة الجديدة وتطوير علاقات اقتصادية معها. تركيا تسعى أيضًا لاستغلال هذا الوضع لتحقيق أهدافها الخاصة بإعادة ملايين اللاجئين السوريين إلى مناطق تعتبرها “آمنة”، مما يعزز صورتها داخليًا وخارجيًا.

لكن هذا التقارب بين تركيا والحكومة السورية الجديدة لا يمر دون إثارة القلق الإسرائيلي. إسرائيل ترى أن أي تحالف بين تركيا والمجموعة الحاكمة في سوريا سيعزز النفوذ التركي بشكل كبير، ما قد يهدد التوازن الإقليمي ويؤثر على أمنها القومي. إسرائيل تخشى أيضًا أن تقوم تركيا بتوجيه الجماعات المسلحة الموالية لها نحو تهديد المصالح الإسرائيلية في المنطقة، خاصة في ظل تقارب أيديولوجي بين الطرفين يجعل التنسيق بينهما أكثر سهولة.

في ظل هذه التحولات، يبدو أن سوريا ستبقى مسرحًا لصراع طويل الأمد بين القوى الإقليمية. تركيا تسعى لفرض رؤيتها على المشهد السوري من خلال تقوية علاقاتها مع الحكومة الجديدة، بينما تحاول إسرائيل البحث عن تحالفات بديلة، مثل قوات سوريا الديمقراطية، لمواجهة النفوذ التركي المتزايد. هذه التحركات تضع المنطقة أمام مرحلة جديدة من عدم الاستقرار، حيث تتشابك المصالح والتوجهات بشكل يجعل الحلول السياسية بعيدة المنال.

Copyright © 2020 Kirkuk Tv All Rights Reserved Designed And Developed By AVESTA GROUP